لم تكن تحتاج سوى بضعة ايام لاكتشاف حجم غربتها عنه وكأنها ادمنت الوحدة وباتت نفسها لها
كان صيفا مختلفا.. صيفا اراد هو ان يكون له بعيدا عن تفاصيل الحياة اليومية وعبء عام طويل محمل
بمتاعب العمل ومتطلبات الحياة التي تزداد يوما تلو الاخر.
صيف مختلف له ولكنه لم يكن مختلفا لها... كما ارادت
اراد ان تكون لهما اجازة خاصة للمرة الاولى من سنوات بمنأى عن الاولاد بعد ان اجتازوا مرحلة عمرية معينة تمكنهم من منح الاخرين فرصة للالتقاء من جديد.
كانت فكرة جميلة بالنسبة لها.. بعثت بها مشاعر مختلفة نوعا ما لتغير روتين ايامها قليلا ولتمنحها ثقة جديدة بانه لا يزال يفكر بها كزوجة وحبيبة بعيدا عن دورها كأم وهي تلك الثقة التي باتت تضعف في ذاتها يوما بعد الاخر..
هكذا كان الامر لتكتشف هي في هذا الصيف المختلف وهذه الايام التي قضتها معه فقط للمرة الاولى من سنوات بانها لا تجيد الحديث معه..
كانت لحظات الصمت هي المسيطرة على اوقاتهما بعد ان توقفا عن الحديث عن الاطفال وايامهم وتفاصيل حياتهم ومتطلباتهم واحتياجاتهم.
لم يجد هو ايضا ما يمكنه ان يجمعه معها فان تحدث عن العمل ومشاكله واحلامه ستعتبر بان اجازتهما ليست اجازة وليست مساحة للابتعاد عن روتين الحياة.
وان تحدثت هي عن الاطفال او ابدت رغبتها بان يكونوا معهم بالاجازة لبادر هو بالانتقاص من حديثها واعتبارها زوجة تقليدية لا تعلم كيف تمنح ذاتها السعادة.
عاش كل واحد منهما في عالمه لم يكن هناك مساحة للتواصل من جديد حتى في جمالية اللحظات التي جمعتهما وهما يكتشفان ذاك البلد الجميل الذي كانا به اكتفى كل منهما بالاستمتاع به على طريقتهما الخاصة دون محاولات للمشاركة التي تجعل من كل شيء جميل اجمل...
كانت هي تمسك روايتها تقرا صفحاتها وكان هو يقضي اوقاته على هاتفه لم يتغير شيئ بينهما سوى المكان الذي فقد هو ايضا معانيه الجميلة ولم يسحباهما الى محاولة التغير...
للمرة الاولى اكتشفت حجم غربتها عنه... اكتشفت ان قرب الانسان من الاخر لا يرتبط بقربه منه وحياته معه كل يوم
ليست بالتفاصيل اليومية التي تجمعهما.. ليست بمكان واحد يعيشان به ويجمعهما
بقدر ما هو الاقتراب الداخلي لبعضهما البعض.
اقتراب القلوب والنفوس التي لا يغيرها مكان وزمان.
عندما تكبر مساحة الوحدة بالنفوس، وتبتعد القلوب بمشاعرها، وتتحول العلاقات التي تجمع الاخرين ببعضهما البعض الى مجرد صفحات بكتاب العمر نقلبها صفحة تلو الاخرى دون ان يكون بها ما يبعث بالنفس من جديد.،شيء ما يعيد للايام معناها وللقلوب نبضاتها، تتساوى تلك العلاقات التي كانت يوما ما عميقة بحجم العمر الى علاقات لا رونق بها.. باردة.. وحيدة كانفسنا
لم يزدها المكان المختلف سوى وحدة جديدة عاشت بها لسنوات لكنها اليوم اكتشفت حجمها ومدى استغراقها بها
عادا من ذاك الصيف المختلف وكان هو سعيدا بالتغيير.. كان يصف للاخرين متعة الاجازة بعيدا عن الاولاد والانصياع دوما لامزجتهم وقراراتهم
كان يصف جمال المكان وساعات الهدوء الجميلة التي كان يحتاجها... هو لم يكن يتقمص مشاعر السعادة ولم يكن وصفه لاجازته سوى ما شعر به
لم تعنيه الوحدة التي عاشت هي بها كثيرا.
لانه لم يشعر بها في اي يوم مضى وسيكون.
اختلف المكان والزمان وبقيت هي على وحدتها وعلى مشاعرها المغتربة التي تكبر كل يوم
لم يكن صيفا مختلفا كل ما في الامر انها اكتشفت ما تعيشه منذ زمن وما تحمله لها الايام القادمة
كل ما كان وكل ما سيكون لم يكن مختلفا كان حقيقة لم تحتج لاختلاف المكان لاكتشافه انما لتاكيده بذاتها فقط...
ايلول.. البدايات والنهايات..
لم يكن يعلم هو انها كانت في كل مرة تضيق بها الحياة وينتابها لحظات من الحزن والعجز تلجا الى مكان لقائهما الاول.
كان ايلول بالنسبة لها مختلفا، بدايات لاشياء جديدة ونهايات لذكريات جميلة رحلت...
لا تزال تتذكر تفاصيل لقائهما الاول.. تحملها تلك التفاصيل الى عالم اخر عالم البدايات الجميلة التي تحاول كل مرة الاحتفاظ بجمالها امام حياة وايام تسحب يوميا كل ما تبقى من ذاك الجمال.
لم يكن يعلم هو انها امراة حالمة ترفض ان تنقلها الحياة الى مكان اخر يغير مشاعرها ويستبدل نقاء العلاقة التي جمعتهما يوما ما.
لم يكن رجلا سهلا بعناده وغضبه، وتمرده ومزاجيته العالية التي تحول ايامها الى محطات من الحزن والالم المستمرة.
لكنها كانت لا تريد لمشاعر الندم ان تتسلل الى اعماقها.. لا تريد ان ينتابها في اي لحظة ما شعور بالندم لانها احبته ورغبت بالعيش معه.. لادراكها بان هذه المشاعر ستقودها الى الانهزام الداخلي بحيث يتساوى قرار الرحيل مع البقاء.
لا تريد لنفسها ان ترى غيره او ان تقحم قلبها بمقارنات اخرى تهزمها من اعماقها لتعيش لحظات الندم بكل معانيها
كانت تجد بمكان لقائهما للمرة الاولى ملجأ منه ولذاتها.
ملجأ لمشاعر تتضارب كل يوم في نفسها تحاول ان تبقي عليها عندما تستعيد صورته الاولى.. مشاعره المتدفقة.. قدرته على التعامل معها كحبيبة عمره.. وكأمراة لا تحتاج لهذا القدر من الصعوبة لتعيش وتسعد بمن تحب..
في ذاك المكان تحاول ان تبعث بنفسها كل ما كان لتبقي عليه متمسكة به قادرة على التعامل معه برغم خسارتها المتتالية من تغيره واعادته كما كان بالبدايات..
في ايلول تحاول ان تبقى كما هي عاشقة امراة لا تحلم سوى بالاستقرار الداخلي.. بأن تكون كما هي لا تنتقي كلماتها عندما تحادثه.. لا تعيش تبعا ورهنا لمزاجيته.. تعبر عن خوفها وقلقها وسعادتها وفرحها دون ان تكون خائفة من ردات فعل لم تعد قادرة على فهمها وتحمل نتائجها..
في ايلول لا تزال تحاول وتبحث في ذاك المكان عن اولى قطرات المطر.. كاشتياق الارض وتوقها لما تحمله سحابة مطر تلف السماء بجمالها
في ايلول الحياة لها كرائحة الارض بعد ان تتشرب بماء السماء، عبقة جميلة.. تذكرنا بما هو آت.
لكنها كل ما تريده ان تبقى الذكريات كما كانت لانها تدرك بانها تعيش اليوم على حافة الخسارات التي في كل مرة تسقط شيء ما من مشاعرها.. تذهب رونق الايام الاتية
تعشق ايلول لانه يذكرها بما مضى وامراة مثلها ما تبقى لها ان تعيش على الذكرى علها تستطيع ان تبقيها في ايامها القادمة معه ولو لمرة واحدة فقط..
الراي