لا أحد يعترض على أن الأردن لا يمكن أن يكون دولة ريعية، في ظل محدودية الموارد وحجم التحديات الخارجية التي انعكست على اقتصاده وأثقلته أكثر مما هو مثقل، ولكن هذا لا يعني بالضرورة أن يكون المواطن هو الحل دائماً، وهو البئر التي لا تنضب لتطفئ ظمأ الحكومات المتتالية، وقُبلة الحياة التي تجعلها تواصل تربعها على "الدوار الرابع".
لا نريد حكومة ريعية، بل نريدها تنموية، تواجه التحديات وتستنبط الحلول، نريدها خلاقة لا تلجأ لجيب المواطن باعتباره أسهل الحلول، نريدها حكومة تؤمن بأن الأردني يستحق أكثر من "البلوبيف والسردين"، نريدها أكثر إيلاماً لمن يتعدى على المال العام ويتهرب من الضرائب، وأكثر رحمة بالمواطن البسيط.
نريدها حكومة تؤمن بأن فتح الأسواق الخارجية وجذب الاستثمارات وفتح فرص العمل للكفاءات الأردنية للعمل في الخارج، لا يتم بوضع ملحقين عماليين واستثماريين يرون في الوظيفة "شيخة" وفترة نقاهة، نريدها حكومة ترى في المستثمر القادم للأردن حبل نجاة من يقطعه لمآرب شخصية تقطع يده.
نريدها حكومة عندما تشارك في المعارض الدولية تكون رسالتها واضحة، وهي أننا أرض للفرص وللعمل والنمو، وأننا بلد أكبر من الرسم بالرمل وكريمات البحر الميت، التي باتت وكأنها علامة تجارية لمشاركاتنا حتى في معارض الطاقة المتجددة!!.
نريدها حكومة تؤمن بالمادة السادسة من الدستور التي تنص على أن الدولة تكفل تكافؤ الفرص لجميع الأردنيين، وألا تكون المناصب حكراً على فئة معينة، تتقلب في المناصب وكأنها في رحلة سفاري متعددة الوجهات، لنرى ذات الشخص كل يوم في منصب جديد، وإن فتح أحد فمه ملأنا الدنيا صراخاً حول كفاءته وشهاداته من دون حديث عن إخفاقاته في المناصب السابقة، وكأننا شعب لا ذاكرة له.
لا نريدها ريعية ولكن نريدها أماً حنوناً تعرف أبناءها وظروفهم، فتراعي المريض وتعذر الفقير وتقف مع المظلوم وتتوكأ على القوي وتأخذ من الميسور.
نريدها حكومة برامج لا حكومة ملازم ورقية تمتلئ بالوعود وبعد الخروج من تحت قبة الثقة تُلقي بملازمها في أقرب سلة مهملات، لتنشغل بالبقاء أكثر من انشغالها بالعمل والإنجاز، وتلعن من سبقها وتحمله ما آلت إليه الأحوال.
نحن شعب لم نُخلق أبداً لنرمي "حمولنا" على غيرنا، ولكن الحمل ثقيل والظهر بات ضعيفاً لا يقوى على الحمل، فاتقوا الله في شعب ما خذل وطنه يوماً فلا تخذلوه طمعاً في منصب، فمن لا يعرف الحلول عليه أن يتنحى جانباً.