كل مرة ننتقد فيها السياسات الاقتصادية، يتم ترك كل مكونات الرأي العام، لتنتقد كيفما شاءت، فيما تتخذ الحكومات القرار الذي تريده، وكأن النقد هنا، مجرد مظهر شكلي، للحياة السياسية، وأداة لتنفيس الغضب.
لكن على الجميع ان يفهموا، ان النقد، رسالة، يتوجب التوقف عندها، وليس مجرد مظهر للتذمر والشكوى والانين، اعتادت عليه الحكومات، فهذا امر غير لائق ابدا، وها نحن هذه الأيام، امام معلومات متناقضة بشأن التعديلات الضريبية، لكنها كلها، أسوأ من بعضها البعض، ولا يمكن التوقف عندها بشكل سطحي، ونحذر منذ اليوم، من القرارات المقبلة، تحذيرا شديدا، لا نها سوف تمس حياة الأغلبية.
تسريب المعلومات، حول احتمال فرض ضرائب على العقارات، سواء الشقق والبيوت المؤجرة، او العقارات المؤجرة تجاريا، امر خطير جدا، لان الكلام عن ضريبة من سبعة الى عشرة بالمئة، يعني امرين، أولهما ان المؤجر سيقوم بتحصيل هذه الضريبة، من المستأجر، حتى لا تنخفض ايجارته، واذا رفض المؤجر دفع هذه الضريبة، فسوف يلجأ المؤجر الى اخلاء العقار، بما يعني اننا سنكون امام فوضى اجتماعية عارمة، ستظهر اثارها تدريجيا، وسيؤدي فرض هذه الضريبة، الى رفع قيمة الإيجارات الجديدة، تحوطا، من أصحاب العقارات، لدفع هذه الضرائب، ولاتعرف أي عقل اقتصادي، يتحدث بهذه الطريقة، ويطرح هكذا حلول.
اما المحلات التجارية، والعقارات التجارية، التي تعاني في الأساس من الركود الاقتصادي، وتراجع القدرة على الصمود، وتزايد ظاهرة اغلاق المحلات التجارية، وزيادة نفقات التشغيل من كهرباء واجور، وايجارات، فوق ارتفاع الإيجارات، ورسوم الترخيص، سوف تتعرض الى صدمة مالية، تؤدي الى تدمير كل هذه البنية الاقتصادية، والمنطق الذي يقول ان هذه مجرد ضرائب بسيطة، منطق جائر، اذ ان فرض ضريبة تصل مثلا الى سبعة بالمئة، تعني ان محلا تجاريا ايجاره عشرة الاف دينار، سنويا، ستضاف الى نفقاته سبعمئة دينار سنويا، وكأن القطاع التجاري مزدهر وفي احسن احواله، والكارثة الأخرى، ان ذات المنطق سوف يتكرر، فالمؤجر قد يسعى لتحصيل هذه الضريبة من المستأجر، فإن لم يقبل تم إخراجه، وتم صيد ضحية أخرى، ليجرب حظه بفتح مشروع، وسط هذا الكساد، او ان المؤجرين ، سوف يرفعون ايجاراتهم الجديدة، لتعويض الضريبة المستجدة.
الامر ذاته ينطبق على خفض الإعفاءات، والتسبب بضرائب جديدة، على فئات جديدة، وما يراد قوله اليوم، ان كل هذه السلسلة، لن تؤثر على المستهدفين فقط، بل سوف ترتد على كل الناس، لان الزيادات على المستأجرين للمنازل او العقارات التجارية، قد يلوذون بحل وحيد، هو رفع سعر منتجاتهم، او زيادة قيمة نشاطاتهم التجارية، بما سوف يرتد على ملايين المستهلكين، أي ان المحصلة، سوف تنال من حياة الجميع.
ما يراد قوله دون تحريض، ان هذه ليست إدارة اقتصادية، هذه ذهنية جباية، سوف تتسبب بوضع اجتماعي خطير جدا، وسنرى بعد قليل ان كل شيء سيكون متاحا ومباحا، من الرشوة الى الجريمة، حتى يعيش الناس، ليبقى السؤال حول من يتحمل مسؤولية هذه السياسات، التي تنحدر بحياتنا، عاما بعد عام.
الدستور