التعليم المدرسي موجّه إلى أطفال لم يختاروا، أصلاً، المجيء إلى المدرسة، وهم هنا، بمعنى ما، "مُكرَهين ومجبرين". ولذلك، تكاد الحياة المدرسية بالنسبة للتلميذ "عنفاً" يكابده كل يوم وكنظام يعاني منه ويجب عليه الخضوع له.
التلميذ يُساق الى المدرسة “ليتعلم"، أي لـ "يأخذ" معرفة تُعطى له. وعلى الطفل، حتى يكون "تلميذًا جيدًا"، عليه أن "يتعلَّم دروسه ويؤدي واجباته. تُفرض على التلميذ واجبات لتحصيل نتائج قلما تُفرض على الراشدين. فلكي ينجح الطفل، ينبغي عليه أن يجدّ ويكدح، أي أن يبذل جهودًا ويتكبد مشقة. وهذا يعني أنه ينبغي عليه أن يتألم، وهو يعلم أنه إذا لم يحصل على نتائج جيدة فسوف يحاسب حساباّ عسيرا.
الطفل، إذن، ليس مجبَراً على التعلم فحسب، بل ملزماً بأن ينجح أيضا. فيما يلقن من معارف نسميها مواد وعليه، فإن التلقين، الترسيخ في الذهن يعني الإقحام، ويعني بدقة أكبر "الحشو. هذا هو شكل التعليم الذي يعيشه ابناؤنا في المدارس. تعليماً قسرياً إجبارياً يخلو من المشوقات والمغريات.
وعليه ليس غريباً أن نرى الطلاب أثناء خروجهم من المدارس وقد ارتسم شعور الفرح والانبساط على وجوههم، يعبر عنه صوتهم العالي وركضهم وتدافعهم، وكأنهم كانوا في سجن وأُفرج عنهم، وكأنهم يهربون خوفًا من إعادتهم مرة أخرى إليه، وليس غريباً أيضًا ملاحظة حال المدرسين الخارجين من المدرسة: وجه مكفهر ينبئ عن تعب وتكدير، وفم يتلفظ بكلمات غير مفهومة موجهة إلى الطلاب المندفعين وغالبًا ما تكون عبارات شتيمة وسباب، ومشي سريع كأنه سعي لشيء يُخاف فواته، ولولا العيب لركض المدرس قبل طلابه خوفًا من إعادته للمدرسة هو الآخر.
وسؤالنا الآن: لماذا هذه الكراهية للمدرسة؟ سؤال تحصلتُ له على إجابات شتى، بحكم التجربة والمعاناة، الطلاب يكرهون المدرسة لأنها مملة بمعنى الكلمة، ويكرهون الدروس لأنها ليست ممتعة وغير مشوقة، ولأن الأهل يريدون من ابنائهم الدراسة في كل الأوقات، ويريدون علامات عالية، والواجبات اليومية مرهقة، يكرهون المدرسة لأنها بلا فائدة!، فها هم حملة الشهادة يتسولون لقمة عيشهم. يكرهون المدرسة لأنها لا تساعدهم على تحقيق أحلامهم، فالمناهج قاصرة وتافهة، وأساليب التدريس قديمة وفاشلة وهم مقيدون بها، يكرهون المدرسة لأنها تعلمهم ما لا يفيدهم ولا ينفعهم، والواقع شيء آخر.
القائمون على التربية والتعليم والتدريس نسوا ان العالم أصبح قرية صغيرة، وما يعرفه القاضي، يعرفه الراعي.