نشرت بعض المواقع الإخبارية خبرا مفاده أن عددا من المواطنين الأردنيين في هذا الوطن الغالي -في الرمثا تحديدا-قاموا بنحر 50 جملا عن روح المرحوم بإذن الله صدام حسين. وقد بين بعض هؤلاء المواطنين أنه قد جرت "العادة" بذبح أضاح عن روحه في كل عيد.
وقد توقفت طويلا أمام هذا الخبر بكل ظواهره وبواطنه وتفاصيله، والشيطان يكمن في التفاصيل كما يقال.
وأكثر تفاصيل الخبر أهمية بالنسبة لي هو أن هذا السلوك أصبح "عادة". وكان هذا السلوك قد ظهر إلى الوجود بادئ ذي بدء كرد فعل أولي على إعدام صدام حسين في اليوم الذي تم فيه ذلك، والذي صادف آنذاك أول ايام عيد الأضحى عام 2006 في الثلاثين من شهر كانون أول.
وتحول هذا السلوك مع مرور الزمن إلى "عادة"، وقد تتحول هذه العادة إلى تقليد، وقد يعم هذا التقليد المجتمع الأردني بأسره فيصير ظاهرة اجتماعية. ولا تخلو ظاهرة اجتماعية من سيئات، ومن هنا لعلني لا أغالي إذا ما طرحت على أساتذة علم الاجتماع في جامعات وطننا فكرة أن يكون محور إحدى رسائل الماجستير أو الدكتوراه انعكاسات هذه "العادة" بجوانبها الإيجابية والسلبية على المجتمع الأردني مستبقين بذلك صيرورتها ظاهرة اجتماعية عامة قد لا يحمد عقباها.
ولما استغرقت في بواطن هذا الخبر، تبادر إلى ذهني السؤال التالي: لماذا لم أقرأ خبرا على هامش العيد بأن عددا من المواطنين الأردنيين قد أقدم على نحر عدد من الجمال عن روح المرحوم بإذن الله الملك حسين بن طلال؟
هذا الملك الذي قاد سفينة هذا الوطن نحو نصف قرن من الزمان في خضم أمواج بحار متلاطمة عاتية خبابة بحنكة ثاقبة وحكمة فائقة كان قد أشار إليهما بالبنان الداني والقاصي، ألا يستحق منا نحن النشامى أن ننحر على هامش العيد مائة جمل عن روحه؟
والمفارقة التي ألحت علي بهذا السؤال هو أن أصدقاء عراقيين أسروا لي يوما ما أثناء دراستي الجامعية في جامعة البصرة: "يفترض بكم أنتم الأردنيون أن تصنعوا تمثالا من ذهب لملككم حسين بن طلال"، فقلت لهم: لقد نصبت له أمانة عمان تمثالا من البرونز في الدوار الرابع، لكن الملك نفسه استشاط غضبا حينما علم بالأمر وأمر أمانة عمان بصهر التمثال. فنظر أصدقائي العراقيون في بعضهم بعضا ولسان حالهم يقول وهم يحسدونني على مليكي "الأجل مكانة بين الملوك" كما وصفه شاعرهم الجواهري: ما أعظمه من ملك! فيما الضيق كان يستبد بهم من كثرة تماثيل صدام حسين التي اكتظت بها الميادين في مختلف قرى ومدن العراق.
فلماذا لم تأتنا الساعات على هامش العيد بنبأ مفاده أن عددا من المواطنين الأردنيين أقدم على تقديم اضاح عن روح المرحوم بإذن الله الملك حسين بن طلال؟
هذا الملك الذي قال ذات يوم: "الإنسان أغلى ما نملك"، وترجم قوله هذا على أرض الواقع بأنه لم يعدم يوما ما سجينا سياسيا من السجناء السياسيين حتى أولئك الذين أتهم منهم بإطالة اللسان عليه، ذهب بنفسه إليهم في السجن ليخرجهم منه كي يشاركوا عائلاتهم وأهاليهم فرحة عيد الأضحى، ألا يستحق منا نحن الأردنيون أن ننحر على هامش العيد مائتي جمل عن روحه؟
ومن ظواهر هذا الخبر التي استرعت انتباهي بشدة عبارة "صدام حسين المجيد" التي كتبت على أحد الجمال كما ظهر في إحدى الصور التي نشرتها بعض المواقع الإخبارية، ولا أدري إن كانت هذه الصور قديمة أم جديدة، لكن بغض النظر عن ذلك، فثمة معان قابعة في أعماق هذه العبارة وددت أن أستخرجها لأضعها بين يديك عزيزي القارئ، واترك الحكم لك على ذلك.
إن السبب الذي شد انتباهي بهذه الشدة هو أن الاسم الرباعي لصدام هو صدام حسين عبد المجيد التكريتي كما هو موثق في الوثائق الرسمية، فلماذا أسقطت كلمة "عبد"؟ هل سقطت سهوا؟ ربما نعم، وربما لا، وما أدرانا؟
لكن أغلب الظن لدي أنها لم تسقط سهوا خاصة وأن "المجيد" اسم من أسماء الله الحسنى التسعة والتسعين كما وردت في القرآن، وليس بالأمر المقبول إطلاقا ولا بالهين مطلقا على أحد ما أن يطلق اسما من أسماء الله الحسنى على شخص ما أيا كان هذا الشخص بدون كلمة "عبد" أو قد يطلق عليه اسم "مجيد" بدون أل التعريف، لكن الذين ضحوا عن روح المرحوم بإذن الله صدام حسين أرادوا بالعبارة هذه أن تشير في طياتها فيما تشير إليه إلى حجم القدسية الهائل الذي يتمتع به صدام حسين في قلوبهم.
ومن الطريف في الأمر أنني ما زلت أذكر اللوحة التي كانت معلقة على أحد جدران مكتب سكرتارية رئاسة قسم هندسة الميكانيك في جامعة البصرة، والتي ضمت في داخل إطارها ثمانية وتسعين لقبا لصدام حسين من ضمنها على ما أذكر: القائد، المجاهد، الفارس، المغوار، ...، إلخ، فيما أوصى المرحوم بإذن الله الملك حسين بن طلال بأن يدفن في قبر عادي بدون أن يذكر على ضريحه أي لقب واللبيب بالإشارة يفهم!