منهج الإصلاح في القرآن الكريم
د.فايز الربيع
06-09-2017 03:00 AM
كنا قد تناولنا في الحلقة السابقة أدوات التدافع، وبدأنا الحديث عن التدافع واداة نقد التناقض ، وأشرنا الى الشخصية ذات الشكل والقول الجميل ولكنه يتناقض مع المضمون، يقول تعالى ( ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام وإذا تولى سعى في الارض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد).
هذه الصورة متماسكة في منطقها البياني ومنسجمة في عناصرها الشكلية ومتناسبة في حججها العقلية واللفظية اما الواقع فهو افساد في العمران البشري، شرها وكراهيتها للإصلاح في عمق نفسها وقد خَص الله الحرث والنسل في هذه الآية لأنها اعظم ما يحتاج اليه في عمارة الدنيا.
ان شقة التناقض واسعة في صورة هذه الشخصية بين ما ترفع من شعارات وما هو واقع.
والأداة الكبرى الأخرى هي التوسط مقابل التطرّف ، وللتطرف مجالات كبيرة في الحياة في القول والفعل، وهو مجاوزة الحد في كل شيء في الفكر وأسلوب الحياة والعبادة والقول والممارسة، تطرف مقترن بالطغيان ( الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد ) طغيان يمنع الناس من التمتع في مجالات الحرية والتمكين والشفافية وما يستلزمه من تكافؤ الفرص بين الجميع فتتوزع قوة الأمة على أفرادها عوضا من ان تتحد ضد اعدائها ومن التطرّف انعدام التوازن بين مصلحة الفرد ومصلحة المجتمع واختلال التوازن بينهما يؤدي الى الاسراف في سيطرة مصلحة على أخرى ومن التطرّف المبالغة في العقاب فالعقاب ضروري ولكن اذا تجاوزت العقوبة مرتبتها تحولت الى فعل فاسد ( وإذا بطشتم بطشتم جبارين ) فالبطش من اخطر انواع الظلم، والعمران البشري ان لم يكن مبنيا على الأمن الروحي والاجتماعي يهدد الأمة بالاندثار.
ومن التطرّف الاحتفاء بالبناء العمراني والغفلة عن البناء الروحي للإنسان وما يحمله من تعارف بين البشر. لقد اهتم قوم هود بعمارة الارض وهو امر جدير بالثناء ولكنها اندثرت لعدم تكاملها مع البناء الروحي (فأما عاد فاستكبروا في الارض بغير الحق) وهو ما قاله فرعون (أليس لي ملك مصر ....... ام انا خير من هذا الذي هو مهين...)
اما التوسط فهو بديل التطرّف لان التطرّف انحراف عن الاستقامة فالتطرف ليس فقط انحرافا عن الاستقامة وإنما يتجه أيضا نحو الانحلال والميوعة.
اننا نفهم التوسط بميزان تقويمي عملي يعطي الاولوية لأموال الناس ليس انطلاقا مما ينبغي ان تكون عليه ، وإنما بحسب ما هو عليه واقعه وحاله فآية التوسط ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا) هي فضيلة بما ينبغي ان تكون عليه حالة الأمة مؤهلة للقيادة بعد مكابدة وتميز ( لتكونوا شهداء على الناس) ليس بإضافة صفة بدون محتوى من خلال العمل وتحمل مسؤولية التكليف هو سلوك منهجي يعنى الامتياز والتميز ليس بمجرد الانتساب التاريخي او الجنسي او العائلي فهو إعطاء كل شيء حقه دون زيادة او نقصان بالجوهر الاعتقادي الصحيح اولا والمظهر التفكيري ثانيا وبصلاح هذا يكون صلاح المظهر العملي سواء في وجهة النفساني او البدني او التدبيري وللحديث بقية.