الرشوة .. قلق المرحلة والعلاج ضرورة
د.طلال طلب الشرفات
06-09-2017 02:37 AM
الرشوة في القطاعين العام والخاص من الجرائم الخطرة التي تفتك بضمير المجتمع ، وتفتك بمنظومة القيم الايجابية وتصيبها في مقتل ، بل ان خطورتها قد تتجاوز ذلك الى منظومة الأمن الوطني من خلال انهيار مبدأ المساءلة الفعلي وتفكيك قيم العدالة والمساواة وسيادة القانون ، والاهم من ذلك ان استشراء الرشوة يؤدي الى تراجع الايرادات العامة بشكل مخيف ومقلق ، وهي ممارسات ادت في دول عديدة الى مشكلات اقتصادية واجتماعية وسياسية مريعة .
وأكاد اتفق جزئياً مع حديث رئيس مجلس هيئة النزاهة ومكافحة الفساد في شيوع الرشوة في قطاعات مهمة وتفاقمها وإن كنت اختلف معه في اعتبار هذه الجرائم جرائم صغيرة ، اذ انها عماد كل الجرائم ورائحتها المنتنة ، والسبب هو انه وإن كانت جرائم الرشوة الأفقية ؛ اي تلك التي تكون بين المواطن ومقدم الخدمة العامة مباشرة اكثر وضوحاً الا ان جرائم الرشوة العامودية اكثر خطورة من حيث حجم الاموال المتحصلة من الفساد او من حيث صعوبة اثباتها لأن الرشوة للمسؤول اكثر غموضاً وقدرة على الاخفاء سيما وان المسؤول لا يقدم خدمة مباشرة للجمهور.
وقد حثت اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد الدول الموقعة على هذه الاتفاقية على ضرورة اتخاذ الاجراءات الكفيلة باجتثاث جرائم الرشوة من القطاعين العام والخاص لخطورتها الاقتصادية والاجتماعية ، ونبهت الى ضرورة تجريم الرشوة في القطاع الخاص وقد التزمت بعض الدول ومنها كوريا الجنوبية واليابان والارجنتين وتونس والجزائر ومعظم دول اوروبا بذلك ، الا ان الاردن لم يجرم بعد الرشوة في القطاع الخاص وهي من المسائل التي تحد من تقدم الاردن في تصنيف منظمة الشفافية الدولية وبعض المنظمات الدولية الاخرى .
لا تستطيع هيئة النزاهة ومكافحة الفساد وحدها في ضبط الرشوة وتحجيم شيوعها ، ولا تملك الموارد والكوادر اللازمة لذلك في المتابعة وتجنيد المصادر والضبط ، والتشريع بدون سياسات فاعلة وارادة حازمة يبقى مجرد نصوص جامدة ، والوقاية من الرشوة ما زالت مجرد امنيات لم ترتق بعد الى مستوى الطموح الوطني ، والمتسوق الخفي التابع لهيئة الفساد يعطي مؤشرات اولية ولا يعالج اصل المشكلة او جوهرها .
القطاعات التي تنتشر فيها الرشوة هي تلك التي تتضمن منافذ للفساد كالسرية والصلاحية التقديرية والصلاحية الواسعة ومنها قطاعات تخمين الاراضي وعقود التأجير والترخيص والتنظيم ومخالفات البناء وخدمات الرقابة الصحية والغذائية والمرور ورخص المهن وتقدير الضرائب ورقابة الضريبة العامة على المبيعات ، وترخيص المدارس وروضات الاطفال وخدمات التعليم الجامعي والتدريس الجامعي وتخمين البضائع والمتابعات وعقود الاستثمار والشركات العامة والمساهمة العامة والاعفاءات الضريبية والمناطق التنموية والتنقلات في الوظائف العامة والعطاءات العامة والادوية والتأمين الصحي وبعض القطاعات التي لها تماس مباشر مع الجمهور .
خطورة الرشوة انها آفة واكثر خطورة من جرائم المخدرات لأنها تؤدي الى قتل الثقة العامة ، وهي مقدمة لجرائم أخرى كاستثمار الوظيفة والتزوير وإساءة استعمال السلطة ، وأن الهروب من الاعتراف بخطورتها سيؤدي الى نتائج وخيمة لا يمكن تداركها سيما وان تفشيها بهذا الحجم يعطي دليلا على فشل السياسات الاقتصادية والاصلاح الإداري.