رفع الضريبة والعودة الى المربع الاول
أ. د. انيس الخصاونة
06-09-2017 01:17 AM
أنباء كثيرة ومتواترة عن نوايا الحكومة لرفع نسب ضريبة الدخل بحيث تشمل شرائح مواطنين كان يعتقد وحسب التصنيفات الأردنية المعتمدة بأنهم فقراء ، حيث أن من يقل دخله الشهري عن (500)يعتبر فقيرا .نوايا الحكومة سواء كانت بإيعاز من البنك الدولي أو برغبة في تغطية العجز المتوقع في الموازنة والبالغ 500 مليون دينار ، فإن إقدام الحكومة على مثل هكذا إجراء ما من شك أنه ينطوي على انتحار سياسي واستفزاز صارخ للشعب .
الأردنيون الذين يعيشون أسوأ الظروف الاقتصادية لم يعودوا يحتملوا أي مغامرات وقرارات ظالمة تمس قوتهم ومستوى حياتهم المتدني أصلا. لا أعلم كيف يمكن للحكومة الحديث عن تنشيط الاقتصاد ، وجذب الاستثمار، وتخفيض نسب الفقر والتعامل مع جيوبه الكثيرة في المملكة في الوقت الذي تزمع هذه الحكومة على رفع نسب ضريبة الدخل والتي من شأنها أن تنتج ما يسميه الاقتصاديون بالركود أو التباطؤ الاقتصادي(Economic Stagnation) .
أسئلة مشروعة كثيرة ينبغي طرحها على الحكومة مثل: هل تدرك الحكومة المضامين الاجتماعية المترتبة على زيادة ضريبة الدخل وانعكاساتها على نسب الفقر المرتفعة أصلا في الأردن ؟وهل تدرك الحكومة الأبعاد السياسية والأمنية لرفع الضريبة وإمكانية تثوير الناس على مؤسساتهم وقياداتهم ؟هل تدرك الحكومة حجم الضغط والنقمة التي يمكن أن تتسبب بها جراء رفع الضريبة وما يمكن أن ينشأ عن ذلك من احتقانات شعبية من شأنها أن تهيئ مناخات ملائمة وموائمة لعدم الاستقرار السياسي والأمني؟ ألا تدرك الحكومة أن استعادة نصف الأموال التي نهبها عدد من الفاسدين يمكن أن تسد العجز بالموازنة وتكفي الحكومة والشعب مخاطر رفع الضريبة؟
ما صرح به الناطق الرسمي باسم الحكومة قبل يومين من أنه لا يوجد شيء رسمي بعد متعلق برفع ضريبة الدخل ، وأن هناك بدائل وخيارات ضريبة عديدة يؤكد أن سيناريو رفع الضريبة أصبح بحكم المؤكد، وأعتقد بأن هذه الأنباء المتداولة عن رفع الضريبة هي أنباء مسربة من الحكومة بقصد الوقوف على ردود الأفعال وأن أرقام رفع الضريبة المطروحة الآن في الإعلام ربما مبالغ فيها ولكن الحكومة ترسم على أرقام ونسب أخرى فأرادت أن تعلم المواطنين بنسب ضريبة صادمة حتى يتاح لها أن تتقدم بالنسب التي تريدها وهي بالتأكيد كبيرة ومجحفة بحق الأردنيين.
الملفت للنظر ،لا بل، الأجدر بالاهتمام ، هي تلك الاجتماعات الليلية المتكررة والنقاشات التي تدور في أوساط قيادات الحراكيين الأردنيين على امتداد الوطن للعودة للشارع مرة أخرى وبطرق سلمية للاحتجاج على رفع نسب ضريبة الدخل أو للحيلولة دون حصول ذلك أصلا. تجارب الأردنيين مع حكوماتهم في هذا المجال تؤشر إلى أن الحكومة إن شعرت بضغط الجماهير تتراجع عن قراراتها في رفع الأسعار أو رفع الضرائب إذ أن الحكومات تقدم الأبعاد السياسية والاستقرار الأمني على الشأن الاقتصادي والمالي ولنا في تجارب حكومة فايز الطراونة وعون الخصاونة خير دليل على تراجع الحكومات عن قراراتها أمام المد الشعبي والجماهيري.
الحراك الشعبي الأردني الذي بدا للجميع بأنه انتهى يستجمع قواه ويستعيد نشاطه بفضل توجهات الحكومة في رفع ضريبة الدخل ، وينبغي أن نذكر هنا بأن الحراك الشعبي الأردني كانت بداياته في عام 2010 بدايات مطلبية وخدمية واقتصادية ثم تحول بفعل عناد الحكومات إلى حراك سياسي ذا مطالب إصلاحية وسياسية .
لا نعلم كيف يمكن أن يكون موقف السادة النواب من مشاريع ونوايا الحكومة وهل يمكن لهؤلاء النواب الذين من المفترض أن يمثلون ضمير الأمة ووجدان الشعب أن يوقفوا الحكومة عن مسعاها في رفع الضرائب ؟ وفيما لو لم ينجح النواب في ذلك، كما هي عادتهم، فهل رفع الضريبة سيعيد الحراك إلى الحراك الشعبي وما هي انعكاسات ذلك على الاستقرار السياسي والأمني الذي تنعم به المملكة في هذه الأوقات الحساسة والمتشنجة في الجوار الأردني!!!