اعتقد ومعي الكثيرون أن ما تقوم به قناة الجزيرة تعجز عن فعله بعض الجيوش على مستوى العالم أجمع ومن خلفها رتل من أساطيل المال والإعلام، تلك المحطة التي لم يتجاوز عمرها أعمار معظم الشهداء من أطفال غزة، حيث عملت على تعرية النظام العالمي الجديد تارة في حين أسقطت كل الأقنعة عن وجه الصهيونية البشع تارة أخرى، ونقلت الحقائق من قلب الحدث بالصوت والصورة، في وقت اختبأ فيه البعض خلف سواتر ضبابية بعد أن أطلقوا فقاعات دخانية علها تستر بعضا من عوراتهم التي انكشفت وسقطت عنها تلك الأقنعة لتظهر الصورة على قبحها.
ولان الكلمة أحيانا كثيرة يكون وقعها وصداها اشد وطأة من صواريخ الطائرات وقذائف المدافع، فقد أطلقت الجزيرة العنان لكل قواتها الراجلة والزاجلة لخوض غمار معارك الكلمة والصورة، حيث تعرضت وطواقمها للعديد من المحن والكوارث التي لم تثني عزمها عن نقل الحقائق من موقع الخطر على أي ارض وتحت أي سماء وقدمت شهداء الكلمة على مذابح الحقيقة لتنقل للمواطن العربي والأجنبي الصورة الحية لما يجري في ارض الواقع لا في أحلام الصغار.
وبالأمس القريب جدا وانتصارا للحق، ومن منطلق إيمانه بقوة الكلمة وحرية التعبير أطلق سيد البلاد تصريحاته الواضحة وبلغة مفهومة لجميع صناع القرار داخل الوطن وخارجه وعلى جميع مستوياته- بعد أن تم التعرض للصحفي فايز الاجراشي بالحبس والتحقيق معه من قبل ثلاث محاكم- حيث قال جلالة الملك أن الصحافة خط احمر لا يسمح بتجاوزه أو المس به بأي حال من الأحوال وان حبس الصحفي لخبر بثه أو مقال كتبه لن يتكرر في الأردن، وصفق الصحفيون ابتهاجا لانتصار الملك لهم بهذه التصريحات التي جاءت من أعلى سلطة في البلاد بعد أن خذلهم من يدعون حماية الحرية والديمقراطية، عندها هرول الراكضون لوضع قانون جديد أو تعديل القائم بما يكفل حرية الرأي والتعبير وعدم المساس بالصحفيين، وقد نسي هؤلاء المهرولون الذين هدهم التعب للحاق بخطى الملك أن لياقتهم وثقافتهم لا تسعفهم في ذلك، بعد أن عجزت عيونهم وآذانهم عن التقاط إشاراته وتصريحاته، لان لواقط صحونهم منكفئة نحو جيوبهم، ولا يسمعون إلا صدى أبواقهم.
وها هو جلالته ينتصر للكلمة وحرية الصحافة مرة أخرى، باستنكاره للاعتداء الذي تعرض له مراسل الجزيرة لما بات يعرف بأحداث الرابية المؤسفة، من خلال اتصاله شخصيا بالمصابين واطمئنانه على أوضاعهم الصحية وعدم سكوته على ما حدث مطلقا وتكفل الحكومة بنفقات معالجتهم.
والسؤال الذي يفرض نفسه على ارض الواقع، هل نحن قاصرون عن التعاطي مع أمور يومية بسيطة حتى بتنا بحاجة إلى تدخل صاحب الشأن لوضع الأمور في نصابها، والوضع كذلك حيث يبدو أننا أصبحنا بحاجة إلى توجيهات ملكية تحرم الاعتداء على الصحفيين، وبعد فترة نحن بحاجة إلى توجيهات ثانية تحرم التضييق عليهم، وثالثة تحرم المطاردة ورابعة تحرم كذا و .....الخ.
ومن هنا فإننا نقدم الشكر إلى كافة مراسلي الجزيرة في شتى أصقاع المعمورة للجهود الخارقة في نقل الصوت العربي الأصيل ومعاناة الأهل في غزة هاشم، والى كافة الجنود المجهولين خلف كاميرات التصوير المهددين بالقتل كل لحظة ولا سلاح بأيديهم إلا سلاح الحق وضمير الأمة.
ومثلما كان لهذا الحدث جانب سلبي على مراسل الجزيرة من حيث الإصابة، لكنه حمل في طياته جانبا مشرقا أضفى سطوعا على الحدث بحيث نسي الزميل -المعتدى عليه - ما حصل معه عندما اتصل به جلالة الملك مطمئنا عن صحته في لفتة سامية حسده الكثير عليها وفي مثل هذا الموقف فقط يحسد ابوهلالة.
kalilabosaleem@yahoo.com