بخجل نقول «كل عام وأنتم بخير». وبفخر نضحّي، نذبح الخروف ، نوزع ثلثيه على الفقراء،والثلث لغداء العيد. نحن نعلم أننا لسنا بخير لكننا نتمناه، ونؤدي شعائر عيد الأضحى فيما نحن الضحية.
الأضاحي للدم، وها هو دمنا يجري في شوارعنا، لم يجف بعد في بغداد و الموصل وفي الشام وحلب وصنعاء وطرابلس. بغداد تبكي دم دجلة والشام يبكيها بردى، الكل عطشان أو خائف أو... لاجئ، يا الله ما أقسى أن تكون لاجئاً رغماً عن أمك و أمنك وبيتك وتاريخك و... ذاك الشجر الذي زرعه جدك!
في العيد مظاهر فرح حزين، المراجيح الخشبية من عظام القتلى، والفرح خجول من بسمته، من يجرؤ أن يجلب لطفل الفرح وهذا الدم يلطخ الشاشات الفضائية في وجهه، دم عربي من فمه إلى خصلات شعره، من يقدم حلوى العيد للأفواه المرة، مرارة الحزن لا تذوب، تظلُّ عالقة في سقف الحلق وسقف البيت وسقف السماء الرمادي.
نضحي ونحن الأضحية، نفرح ونحن الحزن الممتد من المحيط إلى الخليج، تلك الأرض التي كانت يوماً عربية، بلا دواعش ولا كواسر ولا مستعمر ولا نصرة ولا أحرار الشام ولا غيرها.. كم فئة وفرقة ومذهب أصبحت في هذه الأمة!!
متى نستوعب أن لا قوة ولا بيت ولا فرح لعربي، ما لم يكن عربي القلب والقالب ولا غالب إلا من آمن بالله وبالأمة .هذا عدونا يذبحنا بسكيننا ونحن نجزّ الصوف لندفئه، ونتركنا عراة حفاة نركض وراء سراب خوفنا. الفتنة أشد من القتل، وها نحن نقع فريسة سهلة غبية لصانعي الفتن، ومروجي صكوك الغفران إلى.. الجحيم!
أما وأن الاضحية من مناسك عيد الاضحى الذي سمي باسمها، والفقراء اولى بها من الاغنياء فلماذا لا نفعل كما فعل اهالي الخليل .ففي ساحة المدينة مناقل شواء كبيرة، اطفال وصبيان وشباب بثياب العيد يملؤون الساحة بالفرح . يتحدث الرجل الواقف خلف احد المناقل عن الفكرة: نحن نعلم أن الاوضاع الاقتصادية لا تسمح للكثيرين بتناول الكباب، وربما لشهور، وأن رائحة الشواء هي ما يشتهيه الصغار ففكرنا انْ نقدم لهم لحوم الاضاحي جاهزة . بذلك هم يطلقون عشرة عصافير بفرحة واحدة هي فرحة العيد .
انهم يؤدون الفريضة بطريقة ذكية تصل الى هدفها الديني، يسهمون في تقديم وجبة مشتهاة لمن حرمهم الاحتلال من مباهج الحياة، يصنعون الفرح مما هو متاح و..يسهمون في جعل عيد الأضحى مناسبة حقيقية للفرح وخاصة للاطفال
حلوى العيد هذه المَرّة مُرّة كما السنوات السبع العجاف الاخيرة، لكن «كل عام وأنتم بخير» و «كل سنة وأنت سالم» كلمات حلوة نقولها صباح العيد وطيلة أيامه الأربعة.لعل العيد القادم يأتي أقل مرارة !
الدستور