حين نصاب بالغثيان الذي يتمدد من الاحشاء الى الدماغ لدى سماعنا ما يجتره بعض العاطلين عن الحياة والوطن والثقافة اتذكر موقفا قرأته في رواية الطاعون لألبير كامو ولا علاقة له بالفئران، يقول احد شخوص الرواية انه ضجر واصابه الملل من قطعة موسيقية تدار على مدار اللحظة في منزل جاره، وحين التقاه سأله عن السبب، وهل هي موسيقى عذبة وعبقرية الى الحد الذي يدفعه الى الاصغاء اليها طيلة النهار والليل لكنه فوجىء بإجابة جاره الذي قال له انها عادية وليست استثنائية بأي مقياس لكن كل ما في الامر انه لا يملك غيرها !
وهناك على ما يبدو من يشبهون هذا الرجل، لكن ليس من خلال قطعة موسيقى، بل من خلال مجموعة أفكار ومفاهيم تسيطر عليهم رغم ان التاريخ افقدها صلاحيتها، فهل يعقل ان يتوقف البعض عن النمو عند فكرة واحدة متسلطة يسميها علماء النفس الاعتقاد الخاطئ، وهل هو انكار الواقع والاصرار على تجميد عقارب الساعات بحيث يتخثر الزمن عند لحظة ما؟
ان كان الامر كذلك فهو كوميدي بامتياز لأن من يوقف عقارب ساعته عن الدوران لا يوقف الزمن، ومن يصر على ان التاريخ توقف عند حدث ما او ظهيرة ما يفقد التاريخ والحاضر معا، وقد يتمدد هذا الفقدان الى المستقبل .
نقول لمن لا يملكون غير بضع عبارات تهرأت من التداول وليس لديهم غيرها شأن ذلك الرجل الذي لا يملك سوى اسطوانة واحدة يديرها طوال الوقت، ان للاجترار حدودا، ومن ليس لديه ما يهديه من الخيل والمال عليه ان يسعد الناس بالنطق وهذا اضعف الايمان !
كم تغيرت الدنيا وهؤلاء ثابتون كالمسامير في الجدران وكم بلغت المعرفة من العمق والشمول وهؤلاء هاجعون تحت جلودهم !
اخيرا يبقى تكرار عزف قطعة موسيقية حتى لو كانت عادية محتملا لكن ما لا يمكن احتماله هو هذا الاجترار !!
الدستور