مشاركتي في ندوة طارق خوري
حاتم رشيد
29-08-2017 07:59 PM
أجد نفسي مضطراً لإيضاح حيثيات مشاركتي متحدثا في الندوة، ونص كلمتي فيها إبعاداً للشبهات ودفعا للالتباس الناجم عن تغييب وسائل الإعلام لمداخلتي ولمداخلة الاخ والصديق المثقف والمفكر التقدمي، د. موفق محادين.
بداية وصلتني الدعوة من مكتب عضو البرلمان الأردني السيد طارق خوري للحديث معقباً على كلمة الأخ والصديق، صالح العرموطي، ولقد أوضحت فور تلقي الدعوة أن العنوان صادم ومستفز وغير موفق، وينبغي تغييره، وهو أمر لم يتحقق في اليوم التالي.
لذلك باشرت مستهلاً كلمتي بالاعتراض على عنوان الندوة منضما إلى احتجاج اخوة آخرين على العنوان، موضحا أن تعبير أصول لا ينطبق على الفلسطينيين كونهم مع اخوتهم الأردنيين كعرب ينتمون لنفس الأصل القومي.
إن تعبير أصول ربما يصح في مجتمعات أخرى كالمجتمع الأمريكي الذي ينحدر أفراده من عشرات القوميات المختلفة وشكلوا في إطار المجتمع المدني الأمريكي مجموعات (لوبيات) ضغط تدافع عن جماعات عرقية أو طائفية دون أن تتعارض مع التوجهات والمصالح العامة للمجتمع ، وتتميز جماعات الضغط الامريكية بقدرتها على التوافق والالتزام بالمصالح العامة للمجتمع الامريكي باستثناء حالة مشخصة للوبي اليهودي الصهيوني الذي يعلي مصلحة دولة اجنبية ¬،هي اسرائيل، على المصلحة الوطنية الأمريكية وبتواطؤ من جماعات ضغط أمريكية رجعية يمينية وأخرى مصلحية.
وبالتأكيد أن هذا التشخيص لا ينطبق على واقع المجتمع الأردني وتكشف هذه المقارنة عن فداحة خطا استعارة تعبير الاصول بالإشارة إلى أبناء شعب واحد متجانس قوميا بأغلبيته.
كما أن تعبير مكونات ليس بالخطأ الأقل خطورة وفداحة حيث أنه يؤسس في العقل الجمعي تعبيرا انفعاليا متشنجا يجسد ثناية تنافسية.
ومن الواضح لمن يتابع السياقات الإعلامية في الأردن أن تعبير الأصول ومثله تعبير المكونات قد تم نحتها عنوة وبخفة شديدة الخطورة من قبل عاملين في الحقل الإعلامي وسواء بحسن نية أو بسوء نية فإن التوصيف يقفز على الحقائق الموضوعية .
وليس بخافٍ على أي مواطن حريص، الدور التخريبي لبعض الإعلاميين والمنابر الإعلامية المتاحة لهم لتأسيس قاعدة اجتماعية مادية للفتنة دفعا للمجتمع بأسره نحو محرقة عبثية وليس هناك شكوك حول التأثيرات والإيحاءات الأجنبية لهذه النزعة التفتيتية لمجتمع هو في قوامه الجوهري شديد التجانس قوميا وثقافيا وشديد التمازج ديموغرافيا ولا تميزه تعارضات موضوعية .
إن الاشارة الى الموساد والتمويل الاجنبي ليست مبالغة في ملاحقة واقتفاء اثر اولئك الذين يصرون على دفع مجتمعهم الى الهاوية .
ان الضلال الذاتي والخطأ في التحليل والتوصيف الناجم عن حسن النية والطوية، احيانا، لا يفسر وحده خطورة ما تؤول اليه محاولات دفع المجتمع الى فخ المحاصصة المميت.
ومن المهم التذكير بأن احدا لا يملك احصاءات ، وبيانات رقمية تبين نسب التصويت في الانتخابات الاخيرة على أسس طائفية او جهوية او فئوية فمثل هذه المعلومات قد تتوفر لجهات رسمية لم تتعود وليس من المقبول ان تفصح عنها
والا فإنها تصبح ضالعة في صياغة أساس نفسي ومادي لعبثية التقسيم والتفتيت
والملاحظة الهامة الأخرى ، أن رد العزوف عن المشاركة في الانتخابات الى فئة أو مجموعة بعينها ليس صائبا ، فالعزوف عام ويمس شرائح وفئات اجتماعية واسعة على المستوى الوطني العام وان كان اكثر تركزا في المدن الكبرى حسب النسب المعلنة رسميا.
وفي تحليلي لأسباب العزوف عن المشاركة في الانتخابات فقد تناولت ما يلي :
- هناك تراجع في نسب المصوتين في عدد كبير من الدول بما يجعل الظاهرة عالمية الى حد ما ، وهناك دول عربية اجرت انتخابات في الا شهر الاخيرة كانت نسب المشاركة بها في مصر والجزائر اقل من 30 بالمئة ، وثمة مزاج وميل جماهيري عام على مستوى عالمي ينزع الثقة من النخب السياسية ويصمها بالفساد ، ولد شعورا مضافا بنقص الثقة بمخرجات العملية الانتخابية ، لذا فالظاهرة تمتد من العالمي الى العربي وصولا الى المحلي .
- في الحالة الاردنية ، فإن نسبة العزوف المرتفعة تعزى ، ايضا الى الخبرة الاجتماعية المكتسبة عبر السنوات الأخيرة ، وهي خبرة قادت الى ضعف الثقة بالمؤسسات التمثيلية ككل، البرلمانية والبلدية ، بل والنقابية أيضا التي تسجل احيانا نسبا اقل بكثير من الانتخابات المنظمة حكوميا.
وبات مألوفا لدى الغالبية المجتمعية اتهام المترشحين للانتخابات بتطلعهم الى خدمة اغراضهم الشخصية على حساب المصالح العامة وان الامر لا يتعدى احيانا بحث شخصيات معينة عن وجاهة اجتماعية مفتعلة وكاذبة .
وعلى ضوء هذا التقييم شبة المعمم اجتماعيا تعزز السلوك الأميل للعزوف عن المشاركة.
- الشيوع الخرافي لقناعة عامة باستحالة التغيير من خلال واجهات تمثيلية وتنفيذية موصومة اجتماعيا بالفساد تدبيرا ومشاركة وانتفاعا ، وهو امر ولد حالة يأس واسعة من جدوى المشاركة الانتخابية
- ضعف القوى المدنية المحركة والجاذبة للفعل الجماهيري ، احزابا ونقابات وشخصيات عامة ، ومن المعروف هشاشة وثانوية البنى الحزبية ، وتأثيرها الهامشي في السياقات السياسية والاجتماعية الرئيسية ، ورغم الاشارة المتكررة للتيار الاسلامي المسيس والمنظم بأنه الحزب الاول في البلاد فانه من الصحيح ان نلاحظ ايضا انه بحد ذاته ضعيف ومحدود التأثير ولا يبدو قويا الا بوصفة اقوى الضعفاء ان من قبيل المبالغة والتهويل اعتباره فاعلا وصانعا مركزيا في الحياة العامة.
- تراجع المنسوب الثقافي التقدمي العروبي واليساري قاد الى الانكفاء على نطاق واسع الى مرجعيات اولية بدائية مفوتة ، اجتماعيا وتاريخيا مظهرا لوحة اجتماعية بائسة تستنهض عصبيات وهويات منغلقة على ذاتها
- القوانين والانظمة والتشريعات المنظمة للانتخابات بحد ذاتها تنطوي على عيوب ومثالب دون ان تخلو من حس جهوي يحاول سلفا توجيه ومصادرة النتائج.
ان الاحساس بالغبن يشكل سببا اخر للاستنكاف عن الترشح وعن التصويت معا.
ومع ذلك فإن تحسين وارتقاء الكفاءة والاداء ليس ذو علاقة بمنطقة او جهة ما وامام حالة من التماثل الاجتماعي والسياسي والثقافي فإن النتائج لن تكون افضل من زاوية المصالح العامة اذ يتعلق الأمر بما هو ابعد و اعمق واشمل وصولا الى كلية المشهد والهيكلية السياسية.
واخيرا، فإن الاشارة الى وجود شرائح وشخصيات بيروقراطية وتنفيذية ونخبوية ثقافية تستثمر لنفعها الخاص في التنابذ والتجاذب الجهوي يقتضي انتزاع هذا الملف الشائك والحساس من الايدي العابثة والعقول اللامسؤولة لتجنب ما هو اسوأ وأخطر .
ان هذه الاصوات على قلتها مؤثرة وفاعلة وعالية الصوت وعظيمة الامكانيات تستطيع استدراج المجتمع الى فتنة لا تبقي ولا تذر اذا لم يتم التصدي لها .ان ايماننا قاطع بأن لا خيار ولا اولوية لنا تتقدم على عروبتنا في هذه المرحلة ، ان اية مطالب تصبح ثانوية امام الاخطار الماثلة هولا امامنا جميعا، حيث يتقدم هدف الحفاظ على السلم والأمن المجتمعي والحفاظ على البنى الناظمة للدولة على اية اهداف اخرى