التجاذبات السياسية في الإقليم ونجاح الدبلوماسية الأردنية
المحامي فايز بصبوص الدوايمة
29-08-2017 06:32 PM
عمون - لا احد يستطيع ان ينكر ان الأردن كان ومازال صمام امان للقضية الفلسطينية فقد عملت مع امتداد الازمة الإقليمية و وتطوراتها ما بين المد والجزر على وضع القضية الفلسطينية كأولوية رغم دورها المركزي في محاربة الإرهاب والتطرف وقد اتبعت سياسة هادئة متوازنة بين تطاحن القوى وتجاذباتها والفك والتركيب في مكوناتها الا انها ارتكزت على النأي بالنفس عن هذه التجاذبات السياسية و الاصطفافات و التمترس خلف مراكز القوى وقيادات المحاور الإقليمية والدولية مما اعطى الأردن بعدا اخر تمثل في المرونة السياسية ومساحة للحركة الدبلوماسية الأردنية في توظيف هذه الدبلوماسية من اجل الحفاظ على مصالح الأردن العليا من خلال التأكيد على الثوابت الأردنية وهي محاربة التطرف والإرهاب ومركزية القضية الفلسطينية ووحدة الأراضي السورية والعراقية كثوابت لا يمكن التزحزح عنها في سياق الحلول السياسية الناجزة في المنطقة ،وجعل الأردن جزءا لا يتجزأ من الحلول ومشاريع الحلول المطروحة في المنطقة .
ان هذه السياسات ترجمتها الدبلوماسية الأردنية من خلال تراكم كمي وكيفي في تعاملها مع المستجدات المتسارعة التي كانت وما زالت تعصف بالمنطقة منها ان الأردن طلب الاستثناء من قرار جامعة الدول العربية مقاطعة النظام السوري ومنها أيضا عدم الاستجابة للمقاطعة النظام الإيراني فقد حضر الأردن احتفال تنصيب روحاني كرئيس للجمهورية الإسلامية الإيرانية وخفض مستوى التمثيل الدبلوماسي لدولة قطر، ولم يستجب لقرار دول الحصار وابقى علاقة دبلوماسية وعسكرية نشطة مع الجانب الروسي لمعرفة مدى حجم وثقل و تأثير روسيا الاتحادية العسكري والسياسي في المنطقة مما أدى الى جعل الأردن مراقبا في محادثات استانا رغم انه عضو فاعل في التحالف العربي والتحالف الدولي لمكافحة الإرهاب.
هنا لابد ان نشير الى ان النتيجة المباشرة لحيوية وديناميكية الدبلوماسية الأردنية هو الاتفاق الأردني الأمريكي الروسي والذي جعل الأردن ركنا أساسيا في الاتفاق حول الترتيبات في الجنوب السوري، والذي يعتبر مجالا حيويا مركزيا بالنسبة لمصلحة الأردن العليا والذي اصر من خلالها الأردن انه لن يقبل أي ترتيبات حول المعابر الحدودية الا بوجود النظام السوري ولن يقبل بأن تتمركز مليشيات مذهبية على حدودها الشمالية وهذا يعني في الجانب التنموي ان الأردن سيكون المعبر الرئيسي لإعادة اعمار سوريا وانعكاسات ذلك على الاقتصاد الأردني والتنسيق المستقبلي حول مصير اللاجئين السورين، وقس على ذلك العلاقة مع العراق الشقيق.
كل ذلك قد مهد له بذكاء واقتدار جلالة الملك عبدالله المفدى في سياق حركته الدبلوماسية والسياسية النشطة ودون كلل او ملل على المستوين الإقليمي والدولي فقد كان لهذه السياسة من جانب وللكاريزما الشخصية التي يتمتع بها جلالته عاملا مؤثرا وحاسما في الحفاظ على استقرار الأردن امنيا" وسياسيا" واجتماعيا" وحفظ خط الرجعة في الحفاظ على علاقات متوازنة مع كل الأطراف بغض النظر عن النتائج المباشرة وغير المباشرة التي سيتمخض عنها الحراك الدولي لحلحلة أزمات المنطقة والتي بدأت بوادره واضحة في تسارع وتيرة الحسم العسكري للقضاء على عصابة داعش الإرهابية واخواتها من خوارج العصر .
اذن هي القدرة والإرادة والثقة المطلقة الشعبية غير المسبوقة في كل ما يدعو اليه جلالة الملك المفدى والذي ضرب مثالا يحتذى به على الصعيد الدولي بأن الديمقراطية ومشروع الإصلاح الشامل الذي ينتهجه الأردن من اجل انجاز مهام التمكين الديمقراطي لا يمكن ان يرتهن بأزمات الإقليم ولا يمكن التراجع عن هذا النهج مهما كانت التحديات الخارجية والداخلية وهذا ما اثبتته التجربة العملية وخاصة في استكمال الاستحقاق الديمقراطي والذي تمثل في انتخابات مجلس الامة والإدارات المدنية من خلال قانون اللامركزية .
انه القانون الذي اعتبر تحديا حقيقيا لاستكمال برنامج الإصلاح السياسي والإداري والشامل، انه بكل صدق نواة الاستراتيجية الملكية للتمكين الديمقراطي، والآن الكرة في ملعب الإدارات المدنية المنتخبة والجديدة والتي هي وحدها تملك ترجمة هذه الاستراتيجية على ارض الواقع.