ندوة حول تطور الفكر السياسي للحركة الإسلامية في الأردن
29-08-2017 05:10 PM
عمون- عقد مركز دراسات الشرق الأوسط في عمّان ندوة علمية تحت عنوان "تطور الفكر السياسي لدى تيار الإسلام السياسي في العالم العربي: الحركة الإسلامية في الأردن نموذجاً" بمشاركة ثلة من الشخصيات السياسية والوطنية والأكاديمية.
وناقش المشاركون في الندوة تطورات الفكر السياسي لتيار الإسلام السياسي، وانعكاساتها على سلوكه السياسي وأثرها وطنياً وإقليمياً ودولياً، ومناقشة الإشكالات المطروحة حول تيار الإسلام السياسي وسياساته وفكره السياسي، وكيف يراها هذا التيار، و استجلاء توجهات تيار الإسلام السياسي في الأردن للأعوام الأربعة القادمة 2017-2020.
و توزّعت الندوة على ثلاثة من المحاور، المبادئ والمنطلقات الفكرية ومحطات تطورها السياسية لدى تيار الإسلام السياسي وآثارها على المجتمع والدولة؛ والفعل السياسي ووسائله وأدواته لدى الحركة الإسلامية في الأردن؛ وآخرها قراءة نقدية للتجربة السياسية للحركة الإسلامية الأردنية.
وفي جلسة الافتتاح استعرض رئيس مجلس النواب الأسبق ومؤسس التيار الوطني المهندس عبد الهادي المجالي في كلمته ظروف نشأة جماعة الإخوان المسلمين في مصر منذ عام 1928، ونشاطها في الأردن ومشاركتها السياسية في الحكومة او الانتخابات النيابية وخوض الحياة الحزبية عبر حزب جبهة العمل الإسلامي، فيما اعتبر أن جماعة الإخوان المسلمين ظلت مسيطرة على الحزب، كما انتقد مقاطعة الانتخابات النيابية للانتخابات خلال الفترة 2007-2016، وهو ما أثر على العمل الحزبي والتعددية في البلاد.
ودعا المجالي في نهاية كلمته إلى مبادرة بتأسيس طاولة حوار بين الحركة الإسلامية والدولة لشرح مواقف كل منهما وتخوفاته، كما دعا إلى الحوار بين مختلف الأحزاب الوطنية، ومن ضمنها حزب جبهة العمل الإسلامي، بما يخدم إصلاح الوطن وأمن الوطن والمواطن وصولاً إلى دولة وطنية تعددية.
فيما أكد الأمين العالم لحزب جبهة العمل الإسلامي محمد الزيود أن ثورات الربيع العربي لم تعبر فقط عن ضرورة أن تغير الأنظمة السياسية نهجها في التعاطي مع واقعها فحسب، وإنما كانت تستهدف أيضاً بنى المعارضة السياسية، بمعنى أنها عبّرت عن لحظة حقيقة فشل كل المساعي السياسية الرسمية والمعارِضِة في إصلاح الواقع.
وأضاف الزيود بأن الحركة الإسلامية في الأردن بوصفها حركة إصلاحية لم تكن بمنأىً عن هذه التغيرات، ومن أولها تحولات في سلوك الحركة الإسلامية نحو اتخاذ خطوات فعلية في التشارك مع الآخر، من هنا مساهمتها في إنشاء تحالفات سياسية مع الأحزاب السياسية الأخرى أو النقابات المهنية دون النظر إلى أيديولوجية الآخر، وسعت إلى بناء الجبهة الوطنية للإصلاح والتجمع الوطني الإصلاح الذي خاضت تحت مسمّاه الانتخابات النيابية عام 2016، والانتخابات البلدية ومجالس المحافظات عام 2017.
من جهته أشار رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط جواد الحمد إلى تعرض الفكر السياسي لتيارات الإسلام السياسي للتشويه لدى صنّاع القرار العرب والأجانب على حدٍّ سواء، نتيجة خلط كثيرٍ من الباحثين الغربيين، بين هذا التيار وبين جماعات العنف والإرهاب.
كما أشار الحمد إلى أن اختيار المرحلة الزمنية (2007-2017) للنقاش خلال الندوة جاء لما شهدته هذه المرحلة من تحولات أساسية واستراتيجية في التفكير والفكر السياسي لدى الحركة الإسلامية وعلاقتها مع الدولة، ونبّه في نهاية كلمته إلى ضرورة التعامل مع تيار الإسلام السياسي وما يتمتع به من قوة مبدئية وشعبية وسلميّة في حماية المجتمع ومواجهة أيّ تحولات إزاء التطرف والإرهاب، وبما يشكل دعامةً لأردنٍ قويٍّ ومتماسك وموحد لمواجهة التحديات الداخلية والأخطار الخارجية وعلى رأسها المشروع الصهيوني.
وتضمنت الجلسة الأولى التي ترأسها وزير العمل الأسبق الدكتور صالح خصاونة، ورقتان؛ حملت أولهما عنوان "مبادئ ومنطلقات الفكر السياسي لدى تيار الإسلام السياسي" وقدّمها الأستاذ جميل أبو بكر مدير عام صحيفة السبيل اليومية، بينما قدّم الثانية الأستاذ زكي بني إرشيد رئيس مجلس شورى جماعة الإخوان المسلمين، والتي حملت عنوان "الإشكالات المطروحة حول تيار الإسلام السياسي وسياساته وفكره السياسي، وكيف يراها التيار".
وفي حديثه عن منطلقات الفكر السياسي لدى الحركة الإسلامية الأردنية شدّد أبو بكر على أنّ الأردن شعباً ووطنا وهوية، جزءٌ لا يتجزء من الأمة العربية والإسلامية، وجدير بأن يسهم في تحقيق وحدتها ونهضتها وازدهارها، والالتزام بالعمل لرفعته ومنعته وعزته وكرامته بكل أبنائه ومكوناته واجب شرعي ووطني وشرف للعاملين. كما أشار إلى أنّ الوطنية الحقّة تستوجب أن يعمل كلُّ إنسان لخير بلده، وأن يتفانى في خدمته، وهي الحلقة الأولى في سلسلة النهضة المنشودة، ولا يتناقض ذلك مع الحلقات الأخرى العربية والإسلامية. وختم في هذا السياق بأن المدنية هي طبيعة الدولة ذات المرجعية الإسلامية، وهي نموذج يُحتَذى، ويستوعب معطيات العصر وتطورات الحياة.
وذكر أبو بكر في ورقته عدداً من مبادىء الحركة الإسلامية في الأردن، أهمها السعي لأن يكون الأردن دولة مدنية ذات مرجعية إسلامية، تقوم على أسس المواطنة والحرية والمساواة وتكافؤ الفرص والعدالة، والشورى والديمقراطية والمؤسسية وسيادة القانون. وأن الإصلاح الشامل يقوم على الاصلاح السياسي والدستوري والتشريعي وهو ضرورة وطنية لا مناص من إنجازها من أجل حياة كريمة ومزدهرة.
فيما أكد زكي بني إرشيد النائب السابق للمراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن أن الحركة الإسلامية تنظر بعمق إلى ما شهده العالم العربي من تغيرات استراتيجية متعددة خلال العقد الماضي بعد كمون سياسي طويل عاشته المنطقة ونتج عنه حالة من الاستعصاء والاستفراد بالسلطة والاستبداد والفساد وانسداد الأفق أمام حركة الإصلاح والتحول الديمقراطي، وهو ما أفضى إلى تحولات كبرى أطلقت مفاعيل الربيع العربي التي كانت مفاجئة للجهات الرسمية والشعبية توقيتاً ومكاناً وامتداداً.
وأوضح بني إرشيد بأن الحركة الإسلامية وهي تعيش لحظة التدافع الفكري والسياسي على مستوى الداخل التنظيمي، والعلاقة مع الآخر المحلي والإقليمي والدولي، معنية بالإجابة على الأسئلة والاشكالات المطروحة بكل صراحة ووضوح. وإن المتتبع لمسار الحركة الإسلامية السياسي في الأردن، يلحظ التطور الإيجابي الذي انتجته المؤسسات القيادية في الحركة، ومن أهم العناوين التي ناقشتها ما يتعلق بهوية المجتمعات والديمقراطية والتداول السلمي للسلطة والتعددية والمشاركة بالانتخابات والحكومات والموقف من النظام الدولي- العلاقات الإقليمية والدولية، والإرهاب، والدولة المدنية والمكونات الدينية في المجتمع، والمرأة، حقوق الإنسان، وانها قطعت شوطاً كبيراً في هذه المراجعات.
و استعرض بني إرشيد في ورقته وبشكل مختصر هذه العناوين التي ناقشتها الحركة الإسلامية، وخلص إلى أن السؤال عن مستقبل الحركة الإسلامية لا تصنعه الرغائب ولا التمنيات، وإنما تصنعه إرادة الحركة وقدرتها على العبور وتجاوز المرحلة واغتنام الفرص المرافقة لمجمل التحديات أو صناعة الفرص الجديدة. والعلامة الفارقة هي القدرة على التخطيط الاستراتيجي الصحيح.
كما تراس الكتور عبد اللطيف عربيات، رئيس مجلس النواب الأسبق، الجلسة الثانية التي قدم فيها مساعد مجلس النواب وعضو جبهة العمل الإسلامي الدكتور موسى الوحش، ورقة حملت عنوان "الفعل السياسي للحركة الإسلامية في الأردن: وسائله وأدواته"، بينما قدم الدكتور أحمد الشناق، أمين عام الحزب الوطني الدستوري، ورقة ثانية تحت عنوان " تأثير فكر الحركة الإسلامية وفعلها السياسي على المجتمع وسياسات الدولة الأردنية.
وأوضح الوحش في ورقته بأن الحركة الإسلامية تتمتع بفعلها السياسي المنبثق من القيم الإسلامية الأصلية و أبرز أدوات الفعل السياسي للحركة الإسلامية الأردنية خلال السنوات الأربع الماضية؛من خلال صناعة التحالفات السياسية العمودية والأفقية، وتصدير الخطاب الإعلامي المعتدل ضمن مضامين واقعية وحيوية، وأداة الحشد الجماهيري والتحريك الجماهيري في القضايا المفصلية، وتقديم التصورات والرؤى النهضوية والتي تتعلق بتطور البلد ضمن أطر علمية، والنضال المدني ضمن ما يسمى بالقوة الناعمة عبر الوقوف في وجه كافة ملفات الفساد.
ولخص الوحش في نهاية ورقته تطلعات الحركة الإسلامية الأردنية للفعل السياسي، الوصول إلى مظلة عمل تشمل كافة أطياف المجتمع السياسي والمدني الرسمي، والاشتراك مع كافة المكونات في تحمل المسؤولية تجاه الوطن، وبناء إطار وطني واسع وجامع يرقى بمستوى الفعل السياسي الوطني، والمشاركة في مواجهة كافة التحديات الداخلية والخارجية على كافة الصعد، وتعزيز الثقة والتواصل بين الحركة الإسلامية وكافة مكونات المجتمع السياسة.
فيما طرح الدكتور أحمد الشناق في مستهل ورقته تساؤلاً حول اتهام الإسلام السني الحركي في المنطقة بينما أشكال أخرى من الإسلام الحركي غير متهمة، وفي حديثه عن الحياة السياسية في الأردن أوضح بأن المشهد السياسي بكامله يعيش أزمة حوار، مؤكداً على أن مشروع الحركة الإسلامية هو مشروع صناديق الاقتراع والذي يُعدّ بديلاً عن العنف.
ورأى الشناق أن مشروع الحركة الإسلامية يُعدّ رافعة للنظام السياسي الأردني ومكسباً له في ضوء نتائج الانتخابات النيابية والبلدية الأخيرة التي جرت في البلاد. وختم بأن فكر الحركة الإسلامية شكل حامية للشباب الأردني من التطرف والغلو المذهبي، كما يسجل للحركة بأنها أبقت خلافها مع الآخرين في الإطار السياسي ولم تنقله إلى مجال الفكر الديني وقبولها للآخر وبعدها عن الصدامية أو الإقصاء، وأنها الجهة التي تمتلك برنامجاً وطنيا يحقق مصلحة الوطن والمواطن ويحافظ على قيم المجتمع، مشيداً بتجربة التحالف الوطني للإصلاح وما مثلته من شراكة وطنية.
وفي الجلسة الثالثة التي ترأسها الدكتور موسى بريزات المفوض العام للمركز الوطني لحقوق الإنسان، قدمت ورقتين تحت عنوان واحد " قراءة نقدية لتجربة الحركة الإسلامية في الأردن" كل منعاطف الجولاني رئيس تحرير صحيفة السبيل اليومية، والدكتور خالد الدباس أستاذ النظم السياسية في جامعة اليرموك.
و أشار الدكتور خالد الدباس في ورقته إلى أن الحركة الإسلامية في الأردن اتبعت مزيجاً من السياسات ذات المضمون العقائدي أو البراغماتي، بحسب سياق الموقف، وهو نوع من البراغماتية السياسية بحد ذاته، فقد استطاعت الحركة أن تتكيف مع الواقع الأردني حيث دعمت النظام في اللحظات التاريخية الحرجة وعارضته في اللحظة التاريخية التي لا تقصم ظهرها ولا تقضي على وجودها.
وأكد الدباس على أن الحركة الإسلامية في الأردن تبنت العديد من السياسات البراغماتية التي مكنتهم من تحقيق أهدافهم منها: حصر خلافاتهم مع الحكومة وليس مع النظام، وتأكيدهم على أن أمن الأردن عبادة القدرة في التراجع عن أي قرار قد يودي بها إلى التصادم مع الدولة، معتبراً أن طبيعة التحدي الذي واجهته الحركة الإسلامية على الصعيد المحلي والإقليمي والدولي قد أنتجت وعياً حقيقياً بهذا التحدي مما ساهم في تحديد نمط الاستجابة البراغماتية أو العقدية التي تكفل بقاءها وشرعنة وجودها في ظل هواجس الخوف من هذه الحركة.
فيما خلص الأستاذ عاطف الجولاني في ورقته إلى أن الحركة الإسلامية في الأردن أولت اهتماماً واضحاً بإجراء تقييم ومراجعات لتجربتها السياسية، بهدف تطوير فكرها السياسي، وبلورة مقاربات فكرية سياسية تأخذ بعين الاعتبار المعطيات والتطورات المستجدة، ويسجّل لها بدء هذه المراجعات مبكرا قبل الربيع العربي، غير أن تلك المراجعات لم يصدر عنها مخرجات وأدبيات بالقدر الكافي حتى اللحظة، خلافا لحركات إسلامية أخرى في المغرب العربي ومصر وفلسطين، بدأت هذا الجهد متأخراً لكنها أصدرت أدبيات ووثائق تعبّر عن فكرها السياسي الراهن.
وأوضح بأن الحركة الإسلامية في الأردن تتجه للفصل ما بين السياسي والدعوى والاجتماعي، على قاعدة التخصص والتكامل وتوزيع الأدوار، الأمر الذي يفضي لإعطاء مساحة واسعة لحزب جبهة العمل الإسلامي لممارسة الفعل والنشاط السياسي، فيما يتجه تركيز جماعة الإخوان المسلمين على العمل العام والاجتماعي والدعوي. لكن المؤشرات الحالية ترجّح تبلور قناعة قوية في أوساط الحركة الإسلامية بضرورة تعزيز مشاركتها في كافة مساحات العمل السياسي والعام، وتظهر أن مرحلة المقاطعة والعزوف عن المشاركة ربما تكون باتت شيئا من الماضي.
وفيما يتعلق بعلاقة الحركة الإسلامية مع الجانب الرسمي أوضح الجولاني بأن الحركة تبدو مهتمة بتجاوز أزمة الثقة مع الجانب الرسمي، وبتجنّب التصعيد والاستفزاز وكل ما من شأنه أن يدفع باتجاه توتير العلاقة بين الجانبين، ولا تخفي الحركة رغبتها بفتح قنوات الاتصال والحوار لتجاوز أسباب الاحتقان في العلاقة والعودة بها إلى سابق عهدها.
وختم الجولاني ورقته بأن الحركة الإسلامية تظهر رغبة بمزيد من الانفتاح وبناء الشراكات والتحالفات السياسية مع الأطر السياسية والشعبية ومع الرموز والشخصيات الوطنية، على أسس برامجية لا أيديولوجية، مع تعثر واضح لمحاولات تجاوز أزمة العلاقة مع القوى اليسارية والقومية التي كانت حتى سنوات الحليف الرئيس للحركة الإسلامية في العمل السياسي.