قراءة في مسيرة الإصلاح في الأردن
د. عمر مقدادي
29-08-2017 12:30 PM
يعًد الاصلاح مطلبًا شعبيًا جماهيريًا شاملًا في الأردن، وليس مطلبًا خاصًا للنخب السياسية والأحزاب والنقابات ومؤسسات المجتمع المدني فحسب، لأن الجميع بات يشعر بحجم المعاناة التي يعانيها، وذلك بفعل حجم البطالة والفقر وارتفاع الأسعار وازدياد ملفات الفساد وغياب العدالة وانتشار الواسطة والمحسوبية وانتشار مظاهر العنف الاجتماعي وضعف الهيبة الأمنية وتراجع قطاعات الإنتاج الرئيسة في المجتمع وضعف الاستثمار ونقص الصادرات الوطنية وتراجع التعليم وتعدد مرجعياته، والحاجة الماسة إلى الكرامة، فما هو الإصلاح المطلوب؟ وما هو مداه؟ وماهي مجالاته؟ وما هو التصور المستقبلي لأردن المستقبل؟ وهل خـــرج الأردن بإصلاحات دستورية وسياسية واجتماعية واقتصادية تلبي مطالب القوى الشعبية والسياسية والاجتماعية وتحافظ على نسيج الدولة متماسكًا؟ أم أنه يسير بعكس الاتجاه؟ وما تأثير ما يجري في دول الجوار العربي: (سوريا والعراق والقضية الفلسطينية ودول مجلس التعاون الخليجي) من أحداث على الأردن؟ فجلالة الملك عبدالله الثاني من جانبه أكد مرارًا على أن التعديلات الدستورية التي أقرت ليست نهاية المطاف، وأن الإصلاح مستمر وضروري ولكنه متدرج، وأن مجلس النواب شريك في صنع القرار، وأن الأجندة الإصلاحية طويلة وستشمل التعليم والإدارة الأردنية والقطاعات الاقتصادية المختلفة والطاقة والمياه ومحاربة الفساد وتعزيز النزاهة والشفافية واستقلال القضاء، وبالرغم مما حققه الأردن في مسيرة الإصلاح إلا أن النظرة الشمولية للإصلاح تتطلب أن يكون هذا الإصلاح متكاملًا ومتوازنًا ليشمل الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والتربوي، ففي كل هذه المفاصل هناك حاجة ماسة إلى التغيير الإيجابي الشامل، لكي يعيش المجتمع حياة الأمن والاستقرار، ومن أجل أن تتعزز لدى المواطن قيم المواطنة والانتماء والولاء في وطن عزيز كريم يعيش فيه المواطن بكرامة.
أولاً : الإصلاح السياسي
إن الإرادة السياسية حول الإصلاح الشامل متوافرة ومرغوب فيها ولديها مرونة تجاه المطالب بالإصلاح وباتجاه تعزيز مفهوم المواطنة وسيادة القانون والتعددية السياسية وصولاً إلى دولة مدنية ديمقراطية تعددية تؤمن بالحوار وتحمي الوحدة الوطنية، فالإصلاح السياسي الشامل أصبح ضرورة بأبعاده التشريعية والمؤسسية والإدارية، وهو مطلوب في إطار من الديمقراطية والشفافية والمساءلة والتعددية والحداثة، ويهدف إلى بناء دولة مدنية حديثة، بحيث يكون هناك تعددية سياسية حقيقية، تقوم على تشكيل الحكومات من الأحزاب التي تفوز بالأغلبية في الانتخابات والعمل على تداول السلطة، وأن يكون هناك قانون انتخاب عصري يمثل الشعب الأردني تمثيلًا حقيقيًا، بحيث يشرف على العملية الانتخابية جهة مستقلة وهي الهيئة المستقلة للانتخاب. بالرغم من وجود الأحزاب السياسية وأهمية دورها في العملية الديمقراطية والإصلاحية، إلا أنها ما زالت تواجه صعوبات منهجية في توطين المفهوم الحزبي وثقافته بين المواطنين والمؤسسات الوطنية، وكذلك ضرورة إعادة النظر في تشكيل مجلس الأعيان ودوره ومهامه أو جعله ممثلًا للمحافظات بالتساوي، إلى جانب الفصل بين السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية، وضمان أن لا سلطة فوق سلطة القانون، ووجود صحافة حرة ونزيهة وتحديث التشريعات المتعلقة بها.
ثانيًا : الإصلاح الاقتصادي
يتطلب الإصلاح الاقتصادي إصلاح الإدارة الحكومية ودعم استقرارها وحث الإدارات الحكومية على بلورة فكر ونهج اقتصادي وإداري وطني يؤدي إلى تحقيق نمو اقتصادي وتحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة، وضرورة حسم الإدارة الحكومية لقضايا معلقة مثل المديونية، وإصلاح التعليم وسيادة القانون وترسيخ مبدأ الشفافية ومواجهة شح الموارد مثل الطاقة والغذاء والمياه، كما أن الإصلاح الاقتصادي المنشود يحتم علينا العمل على إحداث التوازن بين القطاع العام والقطاع الخاص ، وهذا يتطلب المحافظة على القطاع العام، وإعادة النظر في كل ما تم خصخصته، لأنه اعتداء على الحق العام للمجتمع، والبحث عن أصل المديونية وأسبابها، وكيفية إنفاقها، الذي يثقل كاهل الوطن والمواطنين، والعمل على توفير حياة كريمة للمواطن، من خلال مراقبة الأسعار، ومراجعة وتوحيد الضرائب ومنع الاحتكار والتهريب، وتشخيص أسباب الفساد المالي ومظاهره، وسن التشريعات لمعالجته، واستعادة الأموال من الفاسدين، والمتهربين من الضريبة، وضرورة ضمان الدولة لتوفير نظام مناسب لأجور العمل، مع ضرورة توفير المأكل والملبس والغذاء والدواء في ضوء القدرة الشرائية للمواطن، كما أن معالجة الفقر والحد من نسبته العالية، والبطالة والتخفيف من حجمها ضروري جدًا لحياة أبناء الشعب، وبالرغم من كل الأموال التي أنفقت والمشاريع التي نفذت والدعم الذي قدّمت للمحافظات لم يستطع الأردن أن يقدم نموذجًا للتنمية المحلية يحقق استدامة سبل المعيشة في المحافظات ويستفيد من الموارد الموجودة، مع ضرورة إنقاذ القطاعات الاقتصادية من التدهور وبشكل أساسي قطاعات: الزراعة والصناعة والتعليم، إلى جانب توفير فرص التعليم الجيد والمجاني المدرسي والجامعي لعموم أبناء الوطن، مع أهمية تطوير القدرات والإمكانيات العلمية والتكنولوجية والبحثية للمؤسسات العلمية كشرط أساسي للانطلاق نحو المستقبل، وبناء قاعدة راسخة من التفوق العلمي المرتبط بالإنتاج الصناعي والزراعي والخدماتي، وبالرغم من اتهام الدولة الأردنية بأنها تحولت نحو "الليبرالية الجديدة" في العقد الماضي عن طريق بيع مؤسسات القطاع العام وخصخصتها ، فإن الواقع يبين أن الدولة لا تزال تشبه النموذج الاشتراكي في تقديم خدمات التوظيف والصحة والمياه والطاقة، كما أن مساهمة القطاع العام في الناتج المحلي الإجمالي عالية جدًا، ويخصص للرواتب والتقاعد حوالي 80% من موازنة الدولة، وهذا يشكل نموذجًا مباشرًا للدولة الريعية، مع العلم بأنه سيكون لزامًا على المجتمع الأردني والقطاع الخاص في السنوات القادمة أن يعمل على خلق الوظائف التي تعتمد على الإنتاجية.
ثالثًا : الإصلاح الاجتماعي
ويتمثل في التعامل مع المواطنين بعدالة، وأن لا سلطة إلا سلطة القانون، فليس هناك أشخاص أو فئات أو جهات لا يطبق عليها القانون، والعمل على الحد مما بات متفشيًا من أمراض في صفوف المجتمع، والعمل على الحد من الجريمة وانتشار المخدرات، والاهتمام بالشباب لما يمثله هذا القطاع من حجم في المجتمع، ولما يعول عليه في بناء الوطن، كما أنه من الضروري الأخذ بيد المرأة للدور الريادي الذي تقوم به، ولرفع الظلم الاجتماعي والحرمان السياسي الذي لحقها، من خلال المزيد من فتح الفرص أمامها بما يتناسب ودورها وحجمها في المجتمع.
إن دولة القانون والمؤسسات في الأردن تتآكل تدريجيًا لصالح نمو التجمعات الفئوية والعائلية والعشائرية وذات المصالح، والتي تتمكن من خلال نفوذ متزايد من تجاوز القوانين بما يخدم مصالحها بينما يتم تطبيق القوانين على الأقل حظًا ودعمًا، كما أن التباين في تطبيق القانون سيخلق طبقتين من المواطنين واحدة تمتلك الدعم السياسي والعائلي والاقتصادي للتهرب من المسؤوليات القانونية، وأخرى تجد نفسها تدفع ثمنًا باهظًا وغير عادل لتطبيق القوانين، وهذا يولد الشعور بالغبن والضيم الذي يسيطر على الفئات التي تجد نفسها مجبرة على تطبيق القانون. فالإصلاح الذي يريده الأردنيون ينطلق من إعادة النظر في كل القوانين والتشريعات كي تتواءم وحاجات الدولة والمجتمع التي تعتبر ضرورية في مصلحة بقاء الأردن وشعبه قوياً وفاعلاً في هذه المنطقة وهذا الإقليم، فلا بد من استراتيجية وطنية أردنية واضحة وترجمة فعلية لكافة التشريعات وإعادة تنظيم علاقة المجتمع بالدولة في إطار دولة القانون واحترام الدستور ليتحول ذلك إلى المشاركة الفاعلة، بما يهيئ لإعادة إنتاجٍ سياسي للدولة الأردنية وإعادة بناء الدولة وفق آليات حديثة وعصرية تنسجم مع متطلبات هذه المرحلة.