في مقابلته التلفزيونية طرح رئيس الوزراء شعاراً كبيراً عندما أكد أن إصلاح القطاع العام هو عنوان المرحلة.
محاولات عديدة من حكومات سابقة طرحت شعار الإصلاح الإداري أو إصلاح القطاع العام، ولكن الشعار ظل شعاراً ليس أكثر، بالرغم من حسن النوايا.
أولاً لأن القطاع العام ليس مؤسسة واحدة، بل تركيبة معقدة لا يمكن التعامل معها جميعاً بنفس المسطرة فالمطلوب خطط إصلاح عديدة.
وثانياً لأن للإصلاح معنى واسعا وغير محدد، فماذا يعني إصلاح الحكومة وهي مركز القطاع العام؟ وماذا يعني إصلاح المؤسسات العامة؟ خذ مثلاً البنك المركزي، مؤسسة الضمان الاجتماعي، هل هي بحاجة للإصلاح. وإذا كان الجواب بالإيجاب فما هو الخلل المطلوب إصلاحه، وهل يتكرر في كل المؤسسات أم أن لكل مؤسسة عيوبها.
وثالثاً لأن معاملات القطاع العام تخضع لروتين وإجراءات وموافقات وتواقيع عديدة ولكنها لم توضع صدفه، ولولاها لصار المال العام مستباحاً.
في هـذا المجال لا بد من الاعتراف بأن لدى القطاع العام، وهو يمثل الدولة العميقة، قدرة على استيعاب محاولات إصلاحه فيذهب إليه المدير المتميز القادم من القطاع الخاص وفي ذهنه أفكار انقلابية ومشاريع إصلاح عديدة، ثم ما يلبث أن يتعايش مع الواقع، ولا يطول الزمن قبل أن يصبح جزءاً لا يتجزأ من المؤسسة، يدافع عن عيوبها ويبررها.
ظاهرياً على الأقل لا يبدو أن هناك انحرافات خطيرة في القطاع العام تستوجب التحرك السريع كعنوان للمرحلة، فلدى القطاع العام آلية محددة لمحاربة الفساد، ولدى دوائر الحكومة أداة قوية لمراجعة النظام الإداري والمالي يقوم بها ديوان المحاسبة.
الأهم من كل هذه النقاط الجاهزة للمناقشة، إيجاباً وسلباً، لا بد من الاعتراف بأن أكثرعيوب القطاع العام تنشأ من كونها بنت القطاع العام وبعض إفرازاته.
لدى القطاع العام عيوب ذاتية، ومن هنا فإن أكثر مدراء الشركات كفاءة ونشاطاً يتحول إلى موظف قطاع عام إذا انتقل إليه كما يحصل للوزراء المختارين من دوائر الأعمال.
نفس المدير بنفس الخبرات والذكاء يمكن أن يعمل بكفاءة في القطاع الخاص حيث التقدم بالمنافسة، ولكنه يفقد الحافز والمحرك عندما ينتقل إلى القطاع العام حيث التقدم بالأقدمية.
ما يمكن فعله تحت هذه الظروف هو تقليص حجم ودور القطاع العام كلما كان القطاع الخاص جاهزاً للحلول محله، كما تدل التخاصية التي حولت بعض مكونات القطاع العام إلى الخاص فنجح أكثرها، أما الجزء الذي فشل فيعود لتدخل الحكومة في تعيين رئيس المجلس والمدير العام اللذين يأتيان إلى الشركة بعقلية القطاع العام.
الراي