صديقي يقول من أين أحصل على هوية ذكية في عمان ، قلت له : عمان بلا هوية أيضا ....!!
عمان يا صديقي تكبر كل سنة ، ويزداد ترهلها ، امرأة أربعينية تجهد نفسها ، لكنها متعبة مثلنا يا صديقي ، وأشعر أنها تعاني من فرط الكوليسترول وألم في المفاصل والركب ، حتى حلاوتها بلا سكر ، وقهوتها مرة ..
قلبها متعب ، لم تعد تلك الفتاة التي كانت تتوهج فتنة ، تلبس مدرقتها وتتمشى في مروج خلدا وأم السماق ، وتلم الباميا والفقوس من بساتينها ، اليوم زرعوها غابات من الإسمنت والجفاء والوجوه الغريبة ..
عمان الآن تنام متأخرة ، أو قلما تنام ، تسهر في مراقص عبدون والرابية ، وتدخن في مقاهي الصويفية ، ليتها لم " ترخي جدائلها فوق الكتفين " ، لم تعد تجلس في اللويبدة وتقرأ رواية عند الغروب في حديقتها ..!
عمان يا صديقي تمر في شارع السلط ، لا أحد يسألها، لا تجد مقعدا لها إلا الرصيف كالمتسولات ، السيارات يحاصرنها ، والتلوث والبسطات والإزعاج ، ويسرقن الهواء النقي الذي يمر خجولا من جانبيها .
أي هوية لعمان ، وقد نبذت أبناءها كأم لئيمة ، أنكرتنا ولم تسمع لحبيب الزيودي الذي خاطبها يوما : "يلي ما تعرف النكران ويلي تعطي بلا منة " ، وقربت الغرباء بدلا منا ، وسمحت لهم أن يطؤوا فراشها تحت ذريعة الاستثمار والبزنس ، لم تبك لبكاء فارس عوض عندما غنى لها : " يا حرةٍ ما دّنست أثوابها" ....! باعت "المارس" الذي ورثته عن أبيها عندما أفقروها، فوعدوها بالتطوير والتحديث، واستبدلوا أدراجها بالأبراج، وألبسوها لباسا لم نعد نعرفها.
أشتاق لوجه عمان الذي نعرفه، وجهها الندي الهادئ البسيط، كنا نشم فيه ياسمين الشام، وبلح الحجاز، وعطر العراق، وغزل اليمن، وعنب الخليل، وجميد الكرك، ليتها لم تكبر يا صديقي، فقد أضاعت هويتها منذ أن غادروها أحبابها، أنت ستجد من يستبدل هويتك لكن هي من سيجدد هويتها.... !!