الفقير حين ينفق على الغني،
ماهر ابو طير
12-01-2009 04:40 AM
استغل بعض النواب ، مذابح غزة ، لتمرير ضريبة جديدة ، يدفعها الاردني والمقيم ، بحيث يتم دفع فلس عن كل دقيقة اتصالات خلوية او ارضية ، وفلس اخر عن كل كيلو واط كهرباء ، من اجل دعم مربي المواشي ، وكلا الفلسين ، يصبان في خانة قيام الفقراء بدعم الاغنياء.
المواطن الفقير الذي يعيش براتبه المحدود ، عليه ان يقتطع من قوت اولاده الفقراء ، الذين لا يجدون رغيف الخبز ، ويرون اللحم في الاحلام ، او حين يموت احدهم ، ويقدمه دعما لمربي المواشي ، ومربو المواشي ، سوف يستفيدون من هذا الدعم ، للحفاظ على سعر كيلو اللحم البلدي وعدم رفعه ، بحيث يبقى في حدود السبعة دنانير في المتوسط ، بحيث يأتي الغني والمقتدر ، ويشتري اللحم ، بسعر مدعوم ، من اجل رفاهيته ، وهكذا يساهم الاردني الفقير بدعم الاردني الغني ، وهكذا ، يدعم الانسان الذي لايأكل اللحم البلدي ، اصلا ، الانسان الذي يأكل اللحم البلدي ، وهي مفارقة لاتجد لها شبيها ، في العالم ، حين تصبح النظرية المعتمدة في الاردن "اللي ما معاه.. يعطي اللي معاه".
من جهة ثانية ، لا احد يجيبك عن سبب دعم مربي المواشي ، فلماذا ادعم انا قطاعا خاصا ، وهل وظيفتي في الحياة ان اعمل واشقى من اجل دعم القطاع الخاص ، ولماذا لا تكون هناك ضريبة جديدة وفقا لهذه النظرية العبقرية ، لدعم مزارعي الموز ، مثلا ، ودعم صانعي الاحذية ، ودعم منتجي الدفاتر المدرسية ، ودعم مزارعي البندورة والملوخية ، وهكذا ينفتح الباب باتجاه قطاعات مختلفة ، كلها تشكل ثروة وطنية مقارنة بمربي المواشي ، ولماذا يكون الامر حصرا بمربي المواشي ، وهل المدعوم هنا هو المربي ام الخراف ، وهل وظيفتنا ان نساهم في تسمين الخراف والحفاظ على سعرها ، حتى يأكلها الميسورون والاغنياء ، وهل مطلوب من الموظف والعامل والعاطل عن العمل ، الذين لا يجدون اجرة المواصلات ، احيانا ، ان يأخذوا رغيف اولادهم ويقدموه دعما لمستهلك اللحم البلدي ، ولتجار الاغنام ، وللمتنفذين في قطاع المواشي.
لا نجد في النواب ، اغلبهم ، ما يسر الخاطر ، فقد كنا نتوقع فلسا لدعم تعليم الطلاب في المملكة ، او فلسا لعلاج السرطان ، او فلسا لدعم الفقراء ، او فلسا لدعم غزة ، او اي شيء اخر ، لكنهم استثمروا الموت في غزة ، وانشغال الناس والنخب ووسائل الاعلام ، بالمشهد الدموي في غزة ، ومرروا ضريبة ، كانت مرفوضة ، طوال الشهور الماضية ، باعتبار ان الحديث عن "شلايا الغنم" لن يكون مناسبا ، او لائقا في ظل هذه الظروف التي تشد انظار الاردنيين من ام قيس الى القويرة ، وتجعلهم في وضع لا يتوقفون عند كثير من القضايا التي تمر وتجري بهدوء كامل ، ودون ضجيج ، وحين نرى كيف يتفنن النواب ، في سلخ جلد المواطن ، بوسائل مختلفة ، من اجل طبقة محددة تتمثل بمستهلكي اللحم البلدي ، وتجاره الاثرياء الذين يمارسون السطوة والاحتكار ، نعض اصابعنا ، من شده القهر ، على هكذا اداء ، لايمكن تبريره ، او فهمه ، تحت اي عنوان او تفسير.
يصحو المواطن الاردني ، ويصبح مطلوبا ، منه عشرات الضرائب والمطالبات ، ويأتيه "الكبش" في المنام ، لينطحه مطالبا ، بحصته من خبز اولاده ، وحين يصرخ المواطن في منامه ، بكلمة ، كفى يبتسم "الكبش".. لانه اصبح اهم من الانسان ، فالكبش يتم دعمه وتسمينه ، والمواطن لا يتم دعمه ، ابدا ، بل مطلوب منه دعم الخراف والاغنياء ، ولربما نطلب منه بعد قليل ان يتبرع بالدم ، للخراف المنحورة في مسالخ عمان ، وغير عمان ، ولا احد يجيب عن السؤال: لماذا يتم دعم مربي الاغنام ، وهم مجرد قطاع خاص ، مثل كثير من القطاعات ، ولماذا لا نتذكر ان هناك قطاعات اخرى تشغل عشرات الاف الاردنيين ، بحاجة الى الدعم ، اكثر من مربي المواشي ، ومواشيهم ، ولماذا يشتغل بعض النواب ، من اجل مصالح دوائرهم الانتخابية ، ومن فيها ، على حساب ستة ملايين اردني ، اصبح واجبهم اليوم ، عند اجراء اي مكالمة هاتفية ، ان يغير رنة الهاتف ، لتكون شبيهة بصوت الخاروف الذي انتصر في معركة الدعم على الانسان.
ما زال هناك وقت لشن حملة من اجل الغاء ضريبة الفلسين ، وضريبة جائرة كهذه ، يتم اخذها من يد الفقراء لدعم الاغنياء والتجار ومستهلكي اللحم البلدي ، هي ضريبة ، تستحق ان تدخل كتب التاريخ ، كدليل على التشوهات ، وعلى غياب الاحساس بوضع شعبنا ، في قراه ومدنه وبواديه.
فعلا.. "اللي ما معاه.. يعطي اللي معاه"،،.
m.tair@addustour.com.jo