الاعمار بيد الله المقالات والناس .. !
عودة عودة
27-08-2017 06:32 PM
قبل سنوات، هاتفني ذات صباح طيب الذكر الزميل الاستاذ عبدالله حجازي محرر صفحة المقالات في الرأي، وبعد التحية والسلام والسؤال عن الأهل والأولاد.. طلب مني ( تقصير) مقالتي فترددت قليلاً.. ثم وافقت، فخير أن تبقى في طابق أو طابقين من منزلك بدلاً من هدمه كله فوق رأسك..!
كنت أحسب أن المهمة صعبة، فقد جرت العادة في مثل هذه الحالة أن يُطلب مني (مقال آخر) بديل فأرسله على عجل الى الصحيفة، فالأفكار مطروحة في الطريق كما يقول الجاحظ.. !
المهم ..
العملية الجراحية (لتقصير)مقالتي كانت سهلة.. وقصيرة وإن كانت مؤلمة جداً فبعد دقائق قليلة كانت مقالتي بين يدي هذا الزميل العزيز ولسان حالي كان يقول: ما أصعب البناء.. ما أسهل الهدم!
قبل سنوات فاتت، كثير من الزملاء كان يملؤون ردهات (الرأي) وغرفها صراخاً وعويلاً.. عندما يُحجب لهم مقالة أو مادة صحفية وهو حق لديهم، أما أنا فكنت أكظم غيظي وتعلمت ذلك من المرحوم طيب الذكر الأستاذ صلاح عبد الصمد (أبو طارق) وهو من أصول مصرية وكان يكتب مقالته يومياً في (الرأي) وحتى وفاته بالسرطان اللعين.. لقد كان أبو طارق يقول لي وبلهجته المصرية المحببة عندما (تُحجب) إحدى موادي الصحفية: "الصحفي الحق لازم يتمزق له.."!.
واتذكر..
اني دخلت على رئيس تحرير (الرأي) طيب الذكر الأستاذ محمود الكايد أبو عزمي يرحمه الله ذات صباح من العام 93 من القرن الماضي وبين يدي (مقابلة) مع خالد الحسن المسؤول الفلسطيني المعروف أجريتها معه أثناء وجودي في الرباط في مهمة صحفية.. وعندما أنهى ابو عزمي قراءتها من الصفحة الأولى حتى الأخيرة اعتذر عن نشرها وبطريقته المعروفة وضع علامة استفهام وعلى الجهة اليسرى من الصفحة الأولى وبقلمه الشهير الأخضر.. وللمرة الأولى اناقشه في سبب منع النشر لهذه المقابلة المهمة فقال: هل نسيت بأن أبو عمار في عمان.. فكيف أنشر مقابلة لمنافسه وناقده خالد الحسن.!
لم أغضب كثيرا.. لملمت أوراق مقابلتي (الموءودة) بحنان ووضعتها في مكان آمن من مكتبتي في منزلي.. وبعد نحو عام توفي خالد الحسن في الرباط بسبب مرضه بالسرطان الذي كان ينهش جسده الضخم كوحش مفترس عندما التقيت به في الرباط، فتحول هذا الجسد الطويل العريض الى كتلة ضئيلة من العظم وقليل من اللحم إلا صوته المدوي فقد كان قوياً كالرعد في منزله، كان غاضباً من دخول م.ت.ف في عملية السلام.. !
المهم ...
جئت بالمقابلة الموءودة مرة أخرى الى أبو عزمي رئيس التحرير.. فأعاد لها الحياة وبمبضعه قلمه الاخضر...فقرر نشرها وفوق ذلك وضع عنواناً جديداً لها وبخطه الجميل.. وبقلمه الأخضر عودة عودة الرباط الرأي تلتقي خالد الحسن قبل وفاته..!
تحقيق صحفي قمت به العام 1990 عن مدينة السلط وبعنوان:( السلط.. مدينة حجارتها من الذهب الأصفر.. توأمة بين السلط ونابلس منذ العام 1927.. لقد تم وأده أيضاً من قِبل زميل (.....) كان يزعم انني (سأطيره) من الرأي إن نُشر كما قالها لي. فرئيس التحرير والمدير العام سلطيان وهما الاستاذان محمود الكايد ومحمد العمد. !!
لكن...
تحقيقي نشر بعد أيام وبإصرار من سكرتير التحرير آنذاك طيب الذكر الأستاذ هاشم خريسات في تلك الأيام..
وما الأعمار إلا بيد الله.. أعمار المقالات والناس..أيضا...!
odehaodeha@gmail.om