بثت خدمة «الواشنطن بوست «، تحقيقا مؤلما جدا، وهو تحقيق موثق بالصور، لما جرى في الموصل، خلال العمليات لتطهيرها من تنظيم داعش، والتحقيق، يسجل علامة خطيرة، على وجه المنطقة.
يروي التحقيق، حكايات عائلات عراقية، عادت الى الموصل، والى بيوتها المدمرة، بعد انتهاء العمليات، وبرغم التأكيدات العراقية، ان صون أرواح المدنيين، في الموصل، هو الأولوية الأولى، خلال عمليات تطهير المدينة، الا ان ما تبين كان فجيعة، بكل المعايير، فأغلب العائلات التي عادت، وجدت بيوتها مدمرة، تماما، واضطرت ان تستأجر معدات، لرفع الأنقاض، بحثا، عن أقاربهم، الذين لم يتمكنوا من الخروج، خلال العمليات.
اغلب العائلات اكتشفت، وجود هؤلاء تحت الأنقاض، وقد تم حرق أجسادهم، وتقطعت اوصالهم، ووفقا لشهادات عيان، فأن وجود قناص من داعش، فوق بيت من هذه البيوت، بدون رضى صاحبه، كان يؤدي الى قصف البيت والبيوت التي حوله، دون ان تتأكد القوات التي تقصف في الأساس، إذا ما كان هناك عدد من المدنيين الأبرياء، داخل هذه البيوت، بما يؤدي الى تدمير البيت، وكل البيوت التي حوله، بدلا من استهداف القناص، وحيدا، في هكذا ظروف.
داعش استغلت المدنيين، وحولتهم الى سواتر بشرية من لحم ودم، فيما القوات التي قامت بتطهير المدينة، لم تراع هذه الحقيقة، وكان همها، تحقيق انتصار، باسم الحشد الشعبي، واعداد الجثث المسجلة، في مستشفيات الموصل، بالمئات، فوق تلك الجثث التي يتم اكتشافها يوميا، ومع هذا تتخبط العائلات ذعرا، حين لم تجد اطفالها، واقاربها تحت انقاض البيوت المهدومة، و لا احد يعرف اذا ما كانوا قد فروا الى مكان اخر، او انهم اختطفوا، من أي طرف، او دفنوا احياء، في أي موقع من المواقع.
الكلام عن حقوق الانسان، ليس له قيمة في العالم العربي، فلا قيمة لذات الانسان، فما بالنا بحقوقه، والذي تثبته الأيام، ان الكل مهزوم، فحتى أولئك الذين يظنون انهم يخدمون الإسلام، بالتطرف، ويعيشون وسط المدنيين، ويجلبون اللعنات لهم، يتسببون بسفك دمهم، فأين هو الإسلام، في هذا السلوك الهمجي، الذي يمتد الى أولئك الذين يظنون، انهم يطهرون الموصل، وغيرها، من الإرهاب والتطرف، ولايجدون حلا، سوى ذات الطريقة الهمجية، أي القصف العشوائي، وقتل الأبرياء، وهدم البيوت، وتشريد المدنيين، والكارثة ان كل الأطراف المتسببة بهذه الجرائم، مصرة على انها ترضي الله، بأفعالها، وان الدم بهذه الطريقة، بوابة للاخرة الحسنة!.
ليس من حق أي طرف، اعلان الانتصار، فهذا انتصار، بمذاق الموت والدم، وحين يقال ان الكل مهزوم، فهذه حقيقة كبرى، اذ لماذا لانعرف سوى القتل، داعش تقتل الأبرياء في بغداد واسواقها وكل مكان، والحشد الشعبي يرد بذات الطريقة، والطرفان مشحونان بحقد مذهبي، وكراهية كبيرة، ومايهم وسط صراع الشرعيات الزائفة، التي يعلنها كل طرف، ان يقال ان الانسان العراقي، شبع موتا وقتلا، فهو منذ مطلع الثمانينيات، من القرن الفائت، يموت ويموت، تحت عناوين مختلفة، حتى ارتوت ارض العراق، بالدم.
لانجد صوتا عاقلا، ُيجرم الكل، نجد أصواتا فقط، تصطف مع طرف ضد طرف، وهذا يعني ان الكارثة مستمرة، وهذا طبيعي، اذ ان وريث أي دولة، وبعد ان يجلس على انقاضها، لن يتمكن من الاستقرار على هذه الأنقاض، وهذا مانراه في العراق، الذي دفع ثمنا باهظا، خلال حقبة ماقبل عام 2003، والتورط بحرب كارثية مع ايران، حرقت الأخضر واليابس في البلدين، واحتلال الكويت ثم سنين الحصار، فيما الورثة، كانوا اشد سوءا، والأدلة نراها بأم اعيننا، فلا فرق بين حقبة وأخرى، الا لدى العاطفيين من بيننا.
لقد آن الأوان، ان نتخلى عن الأحادية في التحليل، لان اغلبنا يصطف مع طرف ضد طرف، وعدد الذين يجرمون كل القتلة، من شتى المذاهب والاتجاهات والعناوين، عدد قليل، برغم ان الأيام تثبت دوما، ان الانسان العراقي البريء، في كرادة بغداد، او في الحي القديم بالموصل، هو من يدفع الثمن وحيدا.
امام هذا المشهد، فليسكت الجميع، فلا منتصر بيننا ابدا.
الدستور