الوثائق الخمس لاستخراج نظرية الأدب الإسلامي
25-08-2017 10:25 AM
عمون - 1- الوثيقة الأولى: " القرآن الكريم "
وهو المصدر الأول الرئيس لشمولية الإسلام، عقيدة وشريعة ونظام حياة، كلام الله سبحانه وتعالى الفصل في كل قضية من قضايا الإسلام، وكل مصادر الإسلام الأخرى، تابعة له مفصلة لمجمله، خاضعة لأمره، وقد وقع كثير من الباحثين عن شواهد النظرية الأدبية من القرآن الكريم في خطأ عظيم، وهو تضييق الشواهد الأدبية، لضيق أفقههم في فهم نظرية الأدب، مع أنها كثيرة ومتعددة، ويمكن تصنيف تلك الشواهد إلى ثلاثة خطوط رئيسة هي:
1- الخط الأول: امتنان الله سبحانه وتعالى على الإنسان بنعمة اللغة والبيان، ويفهم من هذه الآيات أن البيان نعمة من نعم الله سبحانه وتعالى، وعلى الإنسان أن يُسخِر النعمة للتعبير عن نفسه وحاجاته، وهي فطرة ربانية، حيث جعل الله للجنس البشري اللغة التي يتفاهم بها مع أخيه الإنسان، وان البيان البشري بشكل عام هو فطرة ربانية، ومنه فنون الأدب: الشعر والنثر والقصة والفنون الأدبية على اختلاف أنواعها، ولا حرمة فيها إذا استعملت بشروطها الشرعية، ومن شواهدها الكثيرة قول الله سبحانه وتعالى:
1- (وعلم آدم الأسماء كلها..) البقرة: 31.
2- _واختلاف ألسنتكم وألوانكم....) الروم 22.
3- (علمه البيان الرحمن.)
4- (أَلم نجعل له عينين ولساناً وشفتين) البلد: 8، 9.
5- انه لحق مثلما أنكم تنطقون.
6- (وما ينطق عن الهوى) النجم: 3.
وآيات تتكلم عن اللغة وفضلها وآيات عن لغة الحيوان، الطير، والنمل....
2- الخط الثاني: قيمة البيان وخطره وأنَّ الإنسان محاسب على هذه النعمة، إذا خرجت عن وظيفتها، وفي هذا مدخل شرعي للبحث عن نظرية الالتزام والأدب والأخلاق ومن شواهدها قول الله سبحانه وتعالى:
1- (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) ق: 18.
2- (ويل لكل همزة لمزة) الهمزة: 1.
3- (همّاز مشاء بنميم) القلم: 11.
4- (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً) الأحزاب: 7.
5- (لا يُحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم) النساء: 148.
3- الخط الثالث: قضية الشعر وتفاصيلها في القرآن الكريم (المكي والمدني) وسنطرح شواهدها بالتفصيل في موضوع " القرآن الكريم والشعر ".
وتمثل هذه الوثيقة المقاييس الشرعية وثوابتها للقضية الأدبية من كلام الله سبحانه وتعالى، لأَن الأدب فن يعتمد البيان، وهو فن قولي له مقاييسه التي تميزه عن باقي فنون القول في الحياة البشرية، وقد بين القرآن الكريم ضوابطه للبيان البشري، بشكل عام، وللبيان الفني بشكل خاص، كما اتضح ذلك من الآيات التي تناولت فن الشعر. والقرآن الكريم معين لا ينضب للمنظر الأدبي في البيان والفنيات والأنواع الأدبية المختلفة، يقول عمر عبيد حسنة في مقدمته لكتاب نجيب الكيلاني: (فالقرآن الكريم استخدم القصة والحوار، والمثل والمواقف الخطابية ودعى إلى المباهلة ووظف الحدث التاريخي، واعتمد الجدل الفكري، وأسلوب المواجهة والتقرير المباشر والوعظ المباشر في سبيل تحقيق أغراضه)(1).
2- الوثيقة الثانية: السنة النبوية الشريفة (الأحاديث)
وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، هي التفصيل الأمين لمجمل القرآن الكريم، فما لم يُفصل من القرآن الكريم توضحه أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وفي قضية الأدب والشعر بشكل خاص جاءت أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لتفصل الأمر في مجموعة من الأحاديث التي وجهت المعركة الأدبية التي كان يقودها الشعراء الصحابة ضد الشعراء المشركين، في (المرحلة المدنية) وفي هذه الأحاديث ما يكفي للإجابة على كثير من الأسئلة التي تطرحها نظرية الأدب أو نظرية الشعر كنوع أدبي متميز، وخاصة ما يُهم قضايا: غايات النظرية الأدبية وتفسير الظاهرة الأدبية، الالتزام في الأدب، قيمة الأدب وأثره في الحياة الإنسانية، ويمكن تصنيف الأحاديث الشريفة في قضية الأدب وبخاصة في فن الشعر إلى نوعين:
1- النوع الأول: وهو الذي يتناول قضية الشعر وتفاصيلها بشكل خاص ومباشر.
2- النوع الثاني: وهو الذي يتناول خطر الكلمة وأثر البيان وقيمة البيان والأدب بشكل خاص ومسؤولية الكلمة، ويمكن للسنة (الأحاديث) أن تكون مادة غنية للمنظر الأدبي، إذا جمع بين سعة الأفق والخبرة الكافية، في إدراك مقاصد النظرية الأدبية وأحسن الاستقراء والاستنتاج منهما، وسنفصل ذلك في المرحلة المدنية، وهي الوثيقة الشرعية الثانية بعد القرآن الكريم.
3- الوثيقة الثالثة: أدب الصحابة الكرام (الشعر والنثر)
وتكمن أهمية هذه الوثيقة في إلى كثيرة منها:
1- أنها تمثل النموذج الفني الإبداعي والوثيقة الفنية للأدب الإسلامي، الذي استجاب لله ورسوله، فأنتج أدباً إسلامياً تتجسد فيه المقاييس القرآنية والنبوية، في فنون أدبية متعددة: كالشعر، والرسائل والوصايا والمثل والحكمة والخطابة.
2- إن هذا الأدب أصبح جزءاً من التشريع الإسلامي والسنة النبوية (التقرير)، لأنه نال إقرار الرسول صلى الله عليه وسلم ورضاه، وسكوت الرسول عليه السلام وإقراره للشعراء الصحابة على شعرهم ومواقفهم يعتبر من المرجعية الشرعية، التي تجعل من أدبهم وثيقة شرعية وفنية وعملية للأدب الإسلامي، يفرض على المنظرين، استخراج مقاييس النظرية الأدبية الإسلامية من أدبهم الذي نال إقرار النبي عليه السلام.
3- إن هذه الفترة، هي التي تمثل خير القرون وكانت السيرة النبوية، النموذج الشامل للإسلام في مختلف جوانب الحياة من عقيدة واقتصاد وتربية وجهاد وسياسة وأدب. حتى تكون سيرته عليه السلام هي النموذج الجامع للإسلام نصاً وتطبيقاً، وهي النموذج المقدم لأبناء الأمة من بعده إلى يوم القيامة، وقد اشرف الرسول عليه السلام بنفسه على تطبيق منهجيات القرآن والسنة في الأدب يوم أن اشرف عليه السلام بنفسه على توجيه الأدب وتعليم شعراء الدعوة، وحيث ترك لهم الجانب التخصصي الفني كأصحاب خبرة في فن الشعر، حتى يتمكنوا من نقل الشعر العربي الجاهلي فنياً إلى مرحلة الشعر الإسلامي فنياً، وكان رائد ذلك حسان بن ثابت رضي الله عنه، حين فهم مقاصد الإسلام من الفن الشعري فخلصه من الخيال المريض، ونقله إلى مرحلة الخيال المنضبط بأهداف الدعوة، وكل ذلك تحت رعاية الرسول صلى الله عليه وسلم وإشرافه.
ومن الناحية الزمنية، فهو يشمل الشعر والنثر، الذي أنتجه المسلمون طوال الفترة النبوية في المرحلتين (المكية والمدنية) وفترة الدولة الراشدية، وهي فترة تزيد عن ستين عاماً، انتج فيها الصحابة والمجتمع الإسلامي دواوين ضخمة من الأدب الإسلامي، في معظم الأنواع الأدبية السائدة في عصرهم فكان منها:
1- ديــوان من الشــعر 2- ديوان مـن الحــكم والأمثال والتوقيــعات 3- ديــوان من الوصــايا والنصائح. 4- ديوان من الخطب 5- ديوان من الرسائل(2).
وبهذا تكون هذه الفترة، هي التي قدمت نصوص النموذج الأدبي للإسلام، وهي النصوص التي نالت تقرير الرسول عليه السلام في سيرته الشريفة، وهي النموذج لأدب إسلامي مقر شرعياً من الذي لا ينطق عن الهوى. يقول عبد الباسط بدر:(لا يمكن أن تكون هناك نظرية للأدب الإسلامي بدون نصوص إسلامية تقوم عليها وتستخرج منها)(3).
لقد تجاهل دعاة الأدب الإسلامي المعاصر أدب الصحابة، في بحثهم عن نماذج ونصوص تستخرج منها مقاييس للأدب الإسلامي، واعتبروا أدب الصحابة نتفاً لا تروي غليلهم، وضلوا على وجوههم في شعاب الآداب فلم يجدوا نموذجهم الإسلامي، لأنهم يجهلون تاريخ الأدب العربي، وما يعلمونه من تاريخ الأدب العربي، ثقافة عامة، لا يَصْلح التنظير من خلالها، بالإضافة إلى جهلهم بالنظرية الأدبية نفسها.
وتمثل الوثائق الثلاث السابقة (القرآن الكريم ــ الحديث الشريف ـ ديوان الأدب في الفترة النبوية والراشدية) المصادر الشرعية والوحيدة، لكل ما يخص نظرية الأدب الإسلامي في.. النظرية والتطبيق والنص الأدبي واستخراج المقاييس، وهي المصادر الوحيدة لإثبات فقه القضية الأدبية في الإسلام، وبغير هذه المصادر، لا يمكن للتنظير أن يصبح إسلامياً شرعياً، كما أن هذه المرجعية الشرعية، ملزمة للأدب الإسلامي في اللغة العربية وجميع آداب اللغات الإسلامية الأخرى، دون استثناء، لتحديد الثوابت النظرية من أصولها الشرعية والفنية من هذه المصادر.
4- الوثيقة الرابعة: وثيقة خلود المذهب الإسلامي واستمراره
وتمثل هذه الوثيقة استمرار المذهب الإسلامي في الأدب، عبر قرون التاريخ العربي والإسلامي في أدب اللغة العربية والآداب الإسلامية، وهي إثبات لقدرة هذا الدين، في قلوب أتباعه من خلال استمرار مذهبه الأدبي، وقدرته على توجيه الأدب العربي لصالحه، وهي الوثيقة التي تنفي تهمة الموت والوأد التي يلعبها دعاة التغريب.
حيث حاول دعاة التغريب تمرير أفكارهم الخبيثة، التي تصور أنَّ الإسلام انتج أدباً إسلامياً في فترة الدعوة الأولى (أدب الصحابة) وبعدها انتهى تأثير هذا الإسلام على الأدب العربي، وعاد الأدب العربي إلى سابق عهده قبل الإسلام، بمؤثرات قليلة من الإسلام.
ولذلك نجد أنَّهم يحاولون وباستمرار طمس حياة مذهب الإسلام في الأدب أو النظرية الأدبية الإسلامية، وينكرون استمرارها من اجل تشويه الأدب العربي وحرف مساره في محاولة لوأد هذا الأدب، من خلال عدم تشجيع الدراسات النقدية الجامعية للتنقيب عنه، واعترفوا به فقط ضمن تاريخ الأدب العربي كمذهب منقرض لا امتداد له.
وهنا يتأكد الواجب الكبير على دعاة النظرية أو المذهب الإسلامي في الأدب، ان تنصب دراستهم النظرية والعملية على الأدب العربي، لإثبات إسلامية هذا الأدب، لان هذا الإثبات معناه استمرار حياة وخلود المذهب الإسلامي، وفي هذا تحصين للأدب العربي من الهجمة التغريبية التي تحاول تفريغه من خصوصيته، وإلحاقه بالآداب الغربية.
لقد قام دعاة التغريب بطرح نظريات الالتزام في الأدب الغربي؛ لإغراق العقل العربي بها، ولطمس معالم الالتزام الذي طرحه الإسلام في الأدب، قبل قرون إمعاناً في تعميق الغزو الثقافي، ودفعاً له باتجاه التبعية، مع أن الأدب العربي هو أدب إسلامي في تياره العريض الغالب، ولكن المد الإسلامي في داخله يتفاوت حسب موجات الوعي الإسلامي العام من حين لآخر.
ويمكن استخراج النماذج الإسلامية الرائعة في الأدب العربي عبر عصوره المختلفة، التي تثبت إسلامية هذا الأدب نثراً وشعراً، حتى نصل إلى أدبنا المعاصر، مما يجدد أملنا، في كشف النظرية الإسلامية في الأدب، وتخليصها من عمليات الوأد والتشويه، وإثبات أصالتها وعراقتها وجذورها الممتدة في تاريخ الأمة، وبهذا نندفع خطوة إلى الأمام نحو الالتحام بجذور الأمة، لتمتد شجرة الإسلام إلى مستقبلها المنتصر الأكيد بإذن الله سبحانه وتعالى.
ومتابعة هذه الوثيقة عملياً، معناه انتقال النظرية الإسلامية من مرحلة المقاييس الأدبية المستخرجة من الوثائق الشرعية الثلاث، إلى ميدان التطبيق في الأدب العربي عبر عصوره في شعره ونثره، ومحاكمة هذا الأدب بهذه المقاييس الإسلامية لمعرفة مدى استجابته للنظرية الإسلامية ومقاييسها ثم إغناء وتصويب مسارها في الفهم والتطبيق، واكتشاف المدارس الأدبية التي ظللها المذهب الإسلامي في الأدب.
وفي ذلك ميدان واسع للإثراء، شريطة أن تتضح النظرية أو المذهب والمقاييس أولاً، ثم تبدأ عملية التطبيق التي تحاكم بمقاييس النظرية، أما اختلاط النظرية والتطبيق وعدم تمايزهما، فهو طريق في اتجاه الفوضى النقدية في التنظير والتطبيق.
وفي هذه الوثيقة ميدان واسع للتطبيق على نصوص الأدب العربي عبر عصوره، واثبات لخلود المذهب أو النظرية الإسلامية في الأدب العربي والآداب الإسلامية الأخرى، من خلال الاستجابات التي ظهرت في الأنواع الأدبية المختلفة.
5- الوثيقة الخامسة: التعبير عن طموحات النظرية
التعبير عن طموحات النظرية الإسلامية وهمومها في ظل الثوابت والأولويات الشرعية: وهي وثيقة مهمة، وتأتي أهميتها من خلال الاعتراف بحق أبناء هذا العصر، في التعبير عن طموحات النظرية الإسلامية وهمومها، في ضوء الثوابت والأولويات الشرعية والخضوع لها والانضباط بها.
وهو حق لكل أديب أو ناقد مسلم في كل الأزمنة والأمكنة، أن يجتهد ويفكر باستمرار في تطوير المناهج والوسائل والأدوات التي ترقى بالنظرية الإسلامية وتطبيقاتها في الأدب؛ لتعميق النظرية، والإضافة إليها، من خلال حشد الطاقات والخبرات العلمية والتذوقية والمنهجية التي تجد بين حين وآخر، لخدمة النظرية في الفهم والتطبيق وهذا معناه فتح باب الاجتهاد للتنظير الفقهي الأدبي، وهذا أمر لا خلاف فيه ولا إنكار له.
ولكن دعاة نظرية الأدب الإسلامي ضلوا طريقهم في توظيف هذه الوثيقة، لأنهم أضاعوا المنهج العلمي الذي يبصرهم بفقه هذه الوثيقة، يوم أن أهملوا الوثائق السابقة (القرآن الكريم، الحديث الشريف، أدب الصحابة والراشدين، وثيقة الخلود والاستمرار) فلم يستخرجوا منها النظرية والمقاييس، ولم يكلفوا أنفسهم عناء التطبيق في الأدب العربي، وانطلقوا من سلوكية منهجية تعيد خلط الوثائق الخمس، في سلة واحدة، دون تمييز بين الأساس (النظرية) والامتداد (التطبيق).
وكانت السلة المختلطة من الوثائق الخمس، تحت توجيه (الوثيقة الخامسة) وثيقة الانطلاق من الطموحات، دون نظرية إسلامية تستخرج من المصادر الشرعية التي تأخذ منها الأمة فقه دينها.
وحيث كانت الوثيقة الخامسة، هي المنطلق الأول للمنظرين فكان كل واحد منهم يرى، أن من حقه أن يفكر في نظرية للأدب الإسلامي، ولكنه نسي انه لا يملك حق التنظير الذي اعترفت به (الوثيقة الخامسة) إلا بعد أنْ يخضع لمعطيات الوثائق السابقة؛ لأنها هي مصدر المرجعية الشرعية والفنية في النظرية والتطبيق.
وقد يقول قائل انهم استشهدوا بالآيات "التي تدعم تنظيرهم، وفي هذا كفاية، وأنا أقول أنّهم انطلقوا من ذواتهم وهواجسهم وحماسهم، وكان استعمالهم للآيات" وشعر الصحابة، استعمال من يفكر أولاً ثم يأتي بالآية والحديث، لتشهد على صحة تفكيره، وهذا ليّ لعنق المصادر الشرعية، حتى تشهد زوراً لصالح تنظيره. لأنه جعل من هواه أصلاً، وجعل من الشرع غطاء لذلك الهوى، نعم إنّهم كانوا يتزينون بالشواهد الشرعية ولكنهم لا يخضعون لها، ولا ينطلقون منها.
لا يملك أحد أنْ يلوي عنق الأمة إلى نظرية في الأدب لم تستخرج ثوابتها ومقاييسها من المرجعية الشرعية، لأن الانطلاق من الهواجس، والمخاوف، والحماس الفردي، ورده الفعل على الواقع، أو مزج بضاعة الواقع ونظرياته المسيطرة بشيء من الشواهد الشرعية، وبطريقة مضللة، لا يشكل خطوة في الوصول إلى الشرعية.
لقد ظهرت مدرستان من مدارس التنظير النقدي للأدب الإسلامي، ولكنهما فشلتا فشلاً ذريعاً في التأسيس لثوابت النظرية الإسلامية:
1- المدرسة الأولى: مدرسة النقد العربي القديم في العصر العباسي، حيث قادها تلاميذ الفلسفة اليونانية، يوم أن خلطوا الفكر النقدي اليوناني مع الإسلام خلطاً عجيباً مزرياً، فكانت نتيجة ذلك طمس مذهب الإسلام الأدبي، وجره إلى جفاف مدرسة البلاغة اليونانية، التي كانت سبباً من أسباب جمود الأساليب في الأدب العربي في عصور الانحطاط، أمثال: الجرجاني وابن قدامة، والجاحظ، وابن المعتز، والقزويني(4).
2- المدرسة الثانية: وقد قادها " محمد قطب " من خلال كتابه " منهج الفن الإسلامي " ثم تجمع حول كتابه دعاة الأدب الإسلامي؛ ليجعلوا منه مرجعاً يدورون حوله، فكانت مدرسة " الشمولية الفوضوية" التي تنطلق من حق التنظير في (الوثيقة الخامسة)، ولكنها تقفز على معطيات الوثائق السابقة، وإذا احتاجتها لم تخضع لها، وإنما تتزين بها، وهي امتداد للشمولية الفوضوية في الجانب الفكري. وهي مدرسة قامت على خلط الفكر الإسلامي، مع طموحات النظرية الأدبية، مع الأمثلة الانتقائية التي تزين التنظير الفردي، والمعروف أن محمد قطب من المفكرين المسلمين المعاصرين، يحمل شهادة في الأدب الإنجليزي، ومعرفته بتاريخ الأدب العربي هي معرفة عامة، لا تؤهله للتنظير له، وكذلك كان تعامله مع المصادر الشرعية والفنية تعاملاً باهتاً، فقد حاكم الأدب العربي من خلال مقاييس الأدب الإنجليزي، ثم من خلال الفكر الإسلامي عامة، ولذلك نظر لفن إسلامي يشبع ذوقه الفني الفردي؛ ولم يخرج بنماذج تعجبه كثيراً من الأدب العربي، ولذلك اضطر إلى أن يخرج بإسلامية عجيبة في نماذجها، حيث جعل من" طاغور الهندي، وج.م سينج الأيرلندي " نماذجاً لهذه الإسلامية الأدبية، وعندما ذكر نماذج من الأدب العربي ذكرها متباعدة، لا رابط بينها إلا المقاييس الفردية، ولم يعجبه أدب الصحابة الذين اخذوا التزكية لأدبهم من الله ورسوله وسوف نفصل حال هذه المدرسة في المحاولات الإسلامية المعاصرة التي نظرت للأدب الإسلامي.