لنأخذ حذرنا محرقة سياسية فـي انتظارنا
خالد محادين
11-01-2009 04:11 AM
قبل ان أتناول في هذه المقالة ما كان يجب ان اتناوله منذ زمن طويل، اسمحوا لي ان اشير الى مسألة غاية في الاهمية، وهي تقديم نفسي لمن لا يعرفني ولم يتابع مواقفي والتزامي القديم الجديد، فقد كنت بالفعل وبالقول أؤكد انتمائي القومي الدائم، لانه التعبير الحقيقي عن ولائي لوطني وانتمائي لشعبي، التزاما يشعرني بالرضا عن نفسي ورضا القارئ المنصف، وكنت اقول دائما انني المواطن العربي الذي يعيش في هذه الغرفة الاردنية من بيتي القومي الكبير.
واذا كان ما يجري في غزة هو محرقة صهيونية نازية اسرائيلية عسكرية ضد الاشقاء الفلسطينيين، فاننا في هذا البلد الذي لا نملك سواه، ولا يملك سوانا، نتعرض لمحرقة صهيونية نازية سياسية تشارك فيها الولايات المتحدة وغالبية الحكومات الاوروبية ومعها حكومات اخرى في كندا واستراليا ومعظم دول الاتحاد السوفيتي الذي انهار مفرخاً حكومات هشة، انتقلت من كونها مستعمرات سوفياتية الى مستعمرات اميركية واوروبية، وهنا تلتقي المحرقتان الحربية والسياسية تستهدفان فلسطين والاردن، وخطوتهما الاولى هذا الدمار وهذه الابادة التي تشكل الصواريخ والتجويع ومنع الادوية والاغذية والحصار المتعدد الاطراف وقتل النساء والاطفال وشهوة الحكم والتفاوض، أسلحتهما الفتاكتين، وبرعاية اميركية ؟ فرنسية ؟ بريطانية بشكل خاص وبقية المعسكر الذي لن يتوقف عن استهدافنا والتآمر علينا بشريا ودينيا وقوميا.
في السابع والعشرين من الشهر الماضي، كتبت على موقع عمون مقالة بعنوان دفاعاً عن بلدنا لا دفاعاً عن المقاومة الفلسطينية فقط ، وارجو ان اقدم فقرة واحدة من المقالة قلت فيها اذا انتصرت المقاومة فانه انتصار لنا، واذا ربح التفاوض المستمر منذ اكثر من عقد ونصف، فان هذا الربح سيكون الخطوة الاخيرة التي تسبق العمل لاقامة الوطن البديل، رغم ادراكنا العميق والراسخ ان الفلسطينيين لا يقبلون وطناً بديلاً عن وطنهم حتى آخر طفل مقاوم ، ولان هناك بعض محترفي الصيد في الماء العكر، وادراكي لحساسية الحديث في هذه المسألة بسبب هذا البعض، فإنني ادرك ايضا خطورة وضع هذه الحساسية سببا لعدم الحديث بصراحة بعد ان وصلت الفأس الى الرأس، كما ان أي تشكيك بوطنية الفلسطينيين بالعمل على تعويضهم ببلد آخر عن بلدهم هو تشكيك ظالم وخطير، فالفلسطينيون كشعب مقاوم منذ قرن من السنوات، لا يقبلون بوطن يقام لهم على وطن لسواهم، كما فعلت المؤامرة الصهيونية ؟ الدولية عندما اقامت على ارض الفلسطينيين وطناً لليهود القادمين من اربع جهات الارض، ثم ان النازيين الصهيونيين لا يمكنهم القبول بدولة معادية ومقاومة على حدود ما يعتبرونه وطنا لهم، وتجربة الولايات المتحدة في اقامة وطن على اجساد السكان الاصليين الذين توزعوا بين القتل والتشريد، وتجربة اقامة الكيان الصهيوني بقتل الفلسطينيين وتشريد من نجا من القتل، يستحيل تكرارهما مع شعب هو جزء من وطن عربي وعالم اسلامي، ايقظهما الظلم ودفع بهما الى وسائل جديدة للمقاومة والجهاد لا تصمد امامها كل وسائل القتل والتدمير.
الان وفي هذه اللحظات وامام هزائم الولايات المتحدة والدول الغربية وسواهما من اعداء هذه الامة، وامام الهزائم المتلاحقة للعدو الصهيوني، وكلها هزائم عسكرية وسياسية واخلاقية، يأتي التفكير بمحرقة لبلدنا، ويضعنا هذا وسواه في هذا البلد امام مسؤولية الحديث الصريح بوضع النقاط على الحروف دون الوقوف امام اية حساسية، وكل انتصار لنا، وهو انتصار لا يقف عند حدود المحافظة على بلدنا بل هو الانتصار المنشود للشعب الفلسطيني، وقد اكدت حسابات العدو وحلفائه انها حسابات خاطئة بكل المقاييس، لقد فاوضت مصر العربية العدو واسترجعت ارضها المحتلة، وفاوض الاردن واسترجع ارضه المحتلة، وقد يبدو اننا دفعنا ثمناً يرى البعض انه مستحق كنتيجة طبيعة لكل عملية تفاوض، مع فوارق كبيرة وكثيرة بين ما دفعناه في هذا البلد وبين ما دفعته الشقيقة الكبرى، ومن حق آخرين ان يتحدثوا ويشيروا الى ثمن كبير تم دفعه، ولا نشاركهم في هذا الرأي والموقف والحكم على نتائج التفاوض مع العدو، اما ما يحدث على الجبهة الفلسطينية فأمر مختلف تماماً وثمنه ليس استعادة بعض الارض او بعض الحقوق الاساسية، وانما الثمن هو الوطن الفلسطيني كله من خلال عملية طرد كاملة للفلسطينيين سواء الذين لم يخرجوا بعد نكبة 48 او الذين يطالبون بعودة المطرودين كنتائج لهذه النكبة، وهنا تتأكد خطورة التفاوض الفلسطيني ؟ الصهيوني على وطن الفلسطينيين التاريخي.
ان الوطن ليس عقد اقامة وعمل، ينتقل به الفلسطيني من الامارات الى قطر او من الكويت الى استراليا، فالفلسطيني الذي هاجر مثلاً الى دول اميركا اللاتينية واصبح مسؤولا كبيراً فيها يظل فلسطينياً يحتفظ في قلبه وعقله بذكريات الوطن الغالي، ويعلق في مكتبه ومنزله صوراً عن الوطن البعيد ولا يفقد ثقته في العودة اليه، ورهان بن غوريون على ان الفلسطيني المتقدم في العمر سيموت وان ابناءه واحفاده سينسون ويتحقق بذلك الموت وهذا النسيان الامن والطمأنينة للصهيوني، ثبت انه رهان غبي ومهزوم، فها هو الكيان العدو بعد واحد وستين عاماً ما يزال فاقداً للأمن وفاقداً للطمأنينة ويواصل حمل بنادقه حتى اثناء انتقاله من غرفة جلوسه الى غرفة نومه، فالاوطان لا تغتصب ولا تسرق بالقوة والتفوق العسكري، لكنها تسترد اذا اغتصبت من اهلها بالايمان والبندقية والجهاد والمقاومة حتى بعد ستين او سبعين او مائة عام.
قبل ايام اعلن جلالة الملك ان اكثر ما يقلقه (ما بعد غزة)، وجلالته يقول بوضوح، ان هذا الذي تتعرض له غزة هاشم من جرائم قتل وابادة ليس الهدف الحقيقي في القطاع وانما الهدف هو النتائج السياسية الخطيرة للعملية العسكرية، واننا يجب ان نتعامل ؟ دون اية حساسية او مواربة ؟ مع هذا الهدف بوضوح تام وشجاعة ممارسة، فالعمل المعادي من قبل العدو الصهيوني والولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي، وحتى لدول ليس لها أي دور محترم في السياسة الدولية.
kmahadin@hotmail.com
الراي