فلسطين .. قضية سياسية بامتياز
شحاده أبو بقر
11-01-2009 02:30 AM
يثابر ساسة إسرائيل على تحويل القضية الفلسطينية برمتها من قضية سياسية بامتياز إلى قضية إنسانية بامتياز ، ولهذا فهم يوجهون صواريخ طائراتهم المقاتلة لضرب أهداف مدنية في قطاع غزة لا بل وإمعانا في إضفاء البعد الإنساني على القضية ومجمل الصراع في المنطقة يتعمدون إعاقة عمليات الإسعاف وإخلاء الجرحى إلى الحد الذي وجه فيه الصليب الأحمر الدولي اتهاما مباشرا لإسرائيل بتعمد إعاقة عمليات إخلاء وعلاج الجرحى ، كما يتعمدون قتل المدنيين وبإصرار مكشوف إلى الحد الذي وجهت فيه الأمم المتحدة اتهاما مباشرا كذلك لإسرائيل بقتل المدنيين برغم علمها أن الأهداف التي تقصفها أهداف مدنية وان الموجودين فيها مدنيون،.
لماذا تغامر إسرائيل بتعريض نفسها للاتهامات الدولية لها بمخالفة القانون الدولي وبتعمدها قتل المدنيين ومنع إخلاء الجرحى إلى المستشفيات ، وهي تعلم أن ذلك يضعها في دائرة ضيقة يصعب فيها حتى على اقرب حماتها وأعوانها السكوت عن ذلك أو مواصلة إعلان التعاطف معها،.
واقع الحال يقول أن إسرائيل تريد أن تجعل الهدف الرئيس لعدوانها على غزة إلغاء الصبغة السياسية على القضية الفلسطينية وتحويلها من قضية صراع سياسي بالمطلق بين دولة محتلة وشعب رازح تحت الاحتلال يطالب برحيل المحتل ويقاوم وجوده ويسعى لاسترداد حقوقه الوطنية وفي مقدمتها حقه في دولة مستقلة ، إلى قضية إنسانية تخص أناسا يحتاجون إلى الدعم الإنساني "تبرعات مالية وعينية" لتمكينهم من مواصلة الحياة في مواجهة غضبة دولة يمارسون "عمليات إرهابية" ضدها،.
مؤلم أن تكون إسرائيل قطعت شوطا على هذا الطريق ، ومن هنا يجري حديث هامس تارة وصاخب تارة أخرى عن شطب التفكير بإمكانية حل يقوم على أساس الدولتين ، والشروع في تفكير جديد بإمكانية حل يقوم على أساس ثلاث دول لا وجود لدولة فلسطينية بينها وإنما إلحاق للأراضي الفلسطينية إلى دول ثلاث قائمة هي مصر والأردن وإسرائيل.
هذا كلام خطير يعني ببساطة إلغاء الطموح الوطني الفلسطيني كله بإمكانية استرداد أرضه المحتلة ، وتوجيهه بدلا من ذلك نحو الالتحاق بالأردن ومصر ، وهو تفكير صهيوني بشع ليس جديدا ، هدفه حل القضية الفلسطينية لصالح التوسع الإسرائيلي وعلى حساب حلم الدولة الفلسطينية ، ووجود الدولة الأردنية ، بمعنى أن ما يجري في غزة هو بداية لمؤامرة يجري تنفيذها وفق إستراتيجية "ذكية" جدا ، ترمي إلى وضع نهاية فاصلة للصراع التاريخي في المنطقة وهي إستراتيجية ستكشف بوضوح من هو الوطني العربي ومن هو الوطني الفلسطيني ومن هو الوطني الأردني ومن هم في المقابل الخونه المتآمرون على القضية وعلى الأردن وعلى فلسطين ، وذلك بعد عقود من خلط الأوراق ودوام التزوير والتدليس،.
يجب أن يقال للنزيه انه نزيه وللخائن انه خائن وللمتخاذل انه كذلك ، فلم يعد الزمن الراهن يحتمل استمرار الكذب إلى ما لا نهاية ، وليس ممكنا بعد تحمل أن يمارس البعض الوطنية والقومية والإنسانية نظريا فيما هو يمارس الخيانة والكذب عمليا في مسار آخر مواز لادعاءاته الوطنية والقومية ، ويجني ثمن ادعاءاته المال السحت ثم يغطي خياناته بادعاء الإخلاص للقضية والتباكي على مصيرها،.
أخيرا.. قضية فلسطين الطهور قضية سياسية ولا بد من حلها على هذه الأسس السياسية التي تعني قيام دولة فلسطينية مستقلة على التراب الوطني الفلسطيني وعاصمتها القدس ، واللاجئون الفلسطينيون يجب أن يتمتعوا بحق العودة والتعويض وفقا لإرادة المجتمع الدولي وقرارات الشرعية الدولية ، والأردن لم ولن يكون دولة بديلة ، وإسرائيل لا تملك أن تقرر مصائر الآخرين كي تنعم هي بالتمتع بحقوقهم الثابتة والمقررة من قبل سائر الشرائع الدولية والسماوية ، إلا إذا تخاذل الآخرون وساروا في ركاب مؤامراتها وقبلوا بتنفيذ ما تريد.
ولا حول ولا قوة إلا بالله.