«أحداث الرابية» .. مندسون أم سوء إدارة
ماهر ابو طير
11-01-2009 02:23 AM
كانت تلك فجيعة بحق سمعة الاردن ، حين خسرنا في يوم واحد ، موقفا تراكميا لصالح غزة استمر اربعة عشر يوما ، وهي فجيعة لا يجوز ان تمر هكذا دون ان نراجع ادارة مشهد الجمعة في الرابية ، بكل تفاصيله ، وما قبل الجمعة.
"احداث الرابية" مؤسفة جدا ، وسوء ادارة المشهد ، وعدم الاستعداد له ، بفتح قنوات اتصال مع الرموز والشخصيات الضامنة للجماهير والمحركة لها ، حتى قبل الجمعة بيوم او يومين ، هو الامر الواجب ان نتوقف عنده ، حتى لا يخرج من يقول ان هناك "مندسين" قاموا بضرب الامن او شتمه ، وهو ما لا نقبله ، فاضطرت اجهزة الامن ان ترد بهذا العنف ، ومن ادار الازمة بهذه الطريقة ، على مستويات مختلفة ، ومن مصادر مختلفة ، يتحمل المسؤولية الكاملة ، عن الاساءة الى هذا البلد ، وجعله خبرا ، في كل نشرات الاخبار ، في كل وسائل الاعلام ، التي بثت صور ضرب المتظاهرين ، وهم يتلقون الضرب بالعصي والبساطير.
الادهى والامر ان يتم الاعتداء على زميلنا ياسر ابوهلاله ، بالضرب ، من مجموعة ، تنطحت احداها لشتم الذات الالهية ، في بلد شرعية الدولة فيه دينية ، ونقول فيه ان شرعية الدولة ، تعود الى كون النبي صلى الله عليع وسلم هو جد الملك ، فنصحو على عناصر تسب الله ، علنا في شوارع عمان ، ونكتشف المفارقة ، في ان قناة الجزيرة حملت الموقف الاردني على مدى اسبوعين ، ولم تتحرش بالاردن ، خلال مذابح غزة ، فجاء من يقدم خدمة مجانية لخصوم الاردن ، ومن يقدم خدمة من اجل اهانة الاردن في الاعلام لفلفة "احداث الرابية" بتقرير يكذب الروايات او يكذب احداث ضرب الناس بالبساطير والقنوات ، وضرب الزميل ابوهلالة ، لن يصدقها احد ، فمع احترامنا للامن ، فواجبه في هكذا ظروف ان يتحمل الناس ، ويستوعب غضبهم ، حتى لو تجاوزوا حدودهم ، وحتى لو ضربوا الامن بالحجارة ، او فعلوا مافعلوه ، فهي ظروف حساسة جدا ، لا يجوز معها الانغماس في ردود فعل ، تجاه جماهير غاضبة ، وتحت مرأى شبكات التلفزة ، ومن المؤسف جدا ، ان الملك يكرر كل شهرين بكون الصحفيين خطا احمر ، غير اننا نكتشف دوما ، ان هناك من لا يفهم ، ولا يريد ان يفهم ، كلام الملك ، الذي اعيد الف مرة ، لكننا نجد دوما مسؤولين يغلقون مصادر المعلومات في وجه الصحفي او يكيدون له ، او يلاحقونه ، او يتسببون له بأذى على مستويات مختلفة ، او يرسلونه الى المحاكم دون سبب معقول ، او يتم ضربه او توقيفه ، كما في حالات نعرفها ، ولا يعرف كثيرون ان الصحفي اهم ألف مرة من المسؤول ، واكثر سطوة وتأثيرا ، ولو اشتكى صحفي واحد مما يتعرض له ، الى المنظمات المحلية والدولية ، لقامت الدنيا ، ولم تقعد.. ولخسر المسؤول ، ايا كان هدير صوته.
منذ الان ، قد يفكرالبعض بايجاد تبرير لاحداث الرابية ، وعمليا ، لا تبرير ابدا ، فلا تقولوا لنا ان هناك نفرا مندسا ، ولا تقولوا لنا هناك مؤامرة ، ولا ان هناك اناسا اعتدوا على الامن ، فالادارة الراشدة للازمات ، تكون راشدة اذا استعدت سلفا لهذه الاحتمالات ، ووضعت خطة للتعامل معها.. لا ان يهجم الرجال بعصيهم على المواطن الاردني ، ويتم التخبيط في بطنه ، علنا ، ودوسه بالبساطير ، وهي اهانات لايمكن الصفح عنها ، فحتى اشد الناس تشددا ، وتفهما لمصالح الدولة ، لا يقبل بهذه المشاهد غير الانسانية وغير الحضارية ، والتي لا تليق ببلد يقول عن نفسه انه الاعلى تعليما في شرق المتوسط.
حين يضطر الملك لتطييب خاطر زميل لنا ، نشعر بأمتنان له ، لكننا نؤشر على المشهد الاخطر ، اي تشويه سمعة الاردن ، خلال يوم الجمعة ، واطهاره دمويا مع شعبه ، وعنيفا ، يكسر الناس ، ومس مقام الملك حين يحذر دوما بشأن حرية الصحفيين ومكانتهم ، ولعل المفارقة ان الزميل ابوهلالة اخذ تصريحا من الملك قبل ثلاثة ايام فقط ، حمل عبره موقف الاردن الى العالم ، فكان الجزاء ، ضربه وشتم الذات الالهية ، ومس سمعة الاردن امام مئات ملايين المشاهدين ، ولعلنا ننصح بأن تتخذ الجهات المسؤولة قرارا حاسما في هذه القضية لكلفتها المرتفعة ، حتى لا يأتي متفلسف ويقول ان الزميل استفز هذا او ذاك.. او ان هناك "مندسين" كما جرت العادة.
لا نسامح ابدا ، اولئك الذين اداروا احداث الرابية ، بهذا المستوى غير الحرفي ، وكان الاولى ان تكون هناك ادارة وقائية مسبقة ، عبر الترتيب مع الشخصيات الوطنية ، لحدود ما سيصل اليه المشهد يوم الجمعة ، وهنا مربط الفرس ، حتى لا نضع الحق على الطليان ، او على مندس ، غير موجود اصلا ، او نكتفي بترميج عناصر اعتبرت ان شتم الله في عمان ، يخدم البلد ، فالمراجعة يجب ان تكون اعمق.
m.tair@addustour.com.jo