المواجهة القادمة: الإخوان ضد السلفية الجهادية في الأردن
خالد عياصرة
24-08-2017 02:12 AM
شهدت الأردنُ مُؤخرا انتخابات بلديةٍ ولامركزيِة، بعضهمْ أُصيب بِالدهشةِ، طيفٌ مُنهم أُصيب بِالتعاميِ، لكنْ الجميع بات أمام أمرٍ واقعٍ. وصل مُرشحُ جبهُة العملُ الإِسلامي المُهندس على أبو الُسكر، لرئِاسةِ بلديةِ الزرقاءِ، ما يعني أن الدولة اِنتهجت أسلوبا جديدا يقومُ على إِعادةِ تفعِيل دورِ الإخوانِ المُسلمين، باعتبارهم شُركاء في إدارةِ الدولةِ وأحدِ أدواتِ النِظامِ التي يُمكنُ اِعتمادُها لاستعادة ملفاتِ الضِغط داخليا وخارجيا. هذهِ الرؤيُة الثاقبةُ حالت دون وقوعِ الدولةِ الأردُنيةِ في مُستنقعاتِ شيطنةِ التيارِ الإسلاميِ وفق وصفات الحلف الاماراتي السعودي المصري، رغم ما شهدتُه الجماعُة من اِنشقاقاتٍ، أوصلتها إلى حُدودِ الموتِ السِريري. إلا أنها تعدت مرحلِة الخطرِ جراءِ تبديلاتِ المشهِد الإقليمي أولا، وثانيا نتيجة إرهاقِ الأجهزةِ الأمنيِة.
التضحية من أجل البقاء
هذه النتائجُ أعطتْ الجماعة حيزا مُريحا يُتيحُ لها الحركِة بِما يُخدمُ بقائِها، ومُشاريِع الدولةِ القادمِة، لذا كان فوزُ المُهندس علي أبو السُكر ب16947 صوتا - بِرئاسِة ثاني أهمِ بلديةٍ في الأردنِ، مُتقدما على الرئيسِ السابقِ عِماد المومني الذي حصل 15818 صوتا، ومُرشحُ العشائِر مُحمدُ الُغويري الذي حصل على 14817 صوتا.
المعنى هُنا، الدولةُ أفشلتْ الُمومني المُحسوبِ عليها، على الرِغم مما اُحيط بِه من أسماء ( مكروهةٌ شعبيا ) أسهمت في إفِشالهِ أولا، إضافة إلى عدمِ مقدرتهِ على تطبيِقِ مشروعِ الدولةِ في مُحافظِة الزرقاءِ لمُواجهِة السلفيةِ الجِهادية ثانيا، كما أسهمت في إِبِعادِ الُمرشحِ العشائِري مُحمد الغويري مع التغاضِي عن إيصالِ علي أبو الُسكر إلى سُدةِ البلديةِ.
الاستخدام الناعم
تاِريخيا، يمكُن اعتبار الإخوان عُنصرا أساسيا من النظامِ الأرُدنيِ، فهُم ليسُوا كما في مصرِ، التي غلب عليهم طابع الصدام المُباشر مع النظامِ المصرِي والسُريةُ في العملِ، كما أن البيئة الحاضنُة لإخوانِ الأردنِ و تجربتهم التاريخِية عمِلتا على رسمِ أدورهم الُمتفقِ عليها وفق سِياسةِ الخدماتِ الُمتبادلِة أو ما يُمكن تسميتهُ بالاستخدام الناعمِ.
أدوارٌ لا يُمكنُ القِيام بِها من قبلِ الأطِرافِ الُمتصارُعةِ، من ليبراليين جدد، وعلمانيين، وحتى ملحدين، إضافة لأصحابِ المشاريعِ الإقليميةِ الُمدججين بِدعمِ السفاراتِ مع الطبقةِ البيروقراطية التي تحُكمُ الدولة، وليس نهاية بِالسلفِيةِ ! لا نتيجة ضعفهم، بل لأن الرأي العامِ الأرُدني والرسميِ، لا يثقُ بِقدُراتهم ووسائلهم لتحقيقِ أهدافِه.
وعليهِ، كان الإخوانُ الحل، لِمُسانِدةِ الأجِهزةِ الأمنيِة المُرهقةِ بعد تلقيها العديِد منْ الضرباتِ في الأشهرِ القليلِة الماضيِة على يدِ التيارِ السلفيِ الِجهادي في مدينتيِ إربد والكرك مثلا، جنبا إلى جنب مع توالِي أحداث المنطقة، وتأثرِ الداخلِ فيها، منْ الملفين العِراقي و السُوري، إلى داعش، والخِلافاتِ الخليجِيةِ، ما عجل في تبدلِ الإصطفافاتِ والأحلافِ وعدم الثباتِ، ملفات قلبت أوراقِ الإقِليم رأسا على عقبِ أصابت الجميع بعدما غابت الرُؤية والرؤى، إلى جِانبِ السعي الحثيثِ لِتصفيةِ القضيِة الفِلسطينيِة على حِسابِ الدولةِ الأردنيةِ بوُاسطةِ تعظيمِ أزماتها الداخليِة إن اقتصاديا أو اجتماعيا، لإرضاخها لأحقا لرُؤى المشاريعِ الاقليميِة وتوجهاتها.
كلُ هذهِ الأمُورِ عجلت فيِ تحِريكِ عقل الدولةِ، وإعِادةِ ترتيبِ أوُراقهِ، لإيجادِ أرضياتٍ صلبة في مُواجهةِ أعباءِ - الُعزلةُ المُمنهجةُ - المرحلةِ، وما ينتُج عنها من ارتدادات كارثيٍة.
عاصمة التنظيم
في ثمانياتِ القرنِ العشرينِ وبداياتِ التِسعينياتِ، لعب الإخوانُ المُسلمين دورا بارزا في مُشاركةِ الدولةِ لمشاريعها، أكانت تتعلق بِدعمها للحِرب العِراقية الإيرانية، أم الأفِغانيةِ السُوفيتيةِ، وحتى حيادها في حربِ الخليجِ الثانيةِ وارتداداتها.
سنواتُ العسل عملت على تقويةِ الإخوان المسُلمين، وأسهمتْ في توسيعِ مساحاتِ سيطرتهم على المُحافظات والمدنِ الأردنية، شعر النظامُ بالخوفِ، آنذاك، غامرت الدولةُ في مشروعُها، وفتحت الأبواب للتيارِ السلفي لمواجهة الإخوان، لكنه - اي التيار السلفي - استغل ذلك، وانقلب عليها في العديدِ من القضايا الأمنية، فالسلفِيةِ لمْ تتخل عن مشروعها الأردُني، انطلاقا من مدينةِ الزرقاءِ العاصمةِ التنظيميِة لِتيارِ السلفيةُ الجِهاديُة، وبدرجةٍ أقل مدينتيِ السُلطِ ومعانِ.
عملت السلفيةُ الجِهادية على تهديدٍ وضربِ استقرار الأرُدنِ، إذْ أسس تنظيمات فرعية داخلِ سُجونِ الاعتقال ( جيشُ مُحمُد 1991، النفيُر الإسلامي 1992، بيعةُ الإمِامُ 1994، خليةُ الإصِلاح والتحدي 1997، تُنظيُم الألفية 2000 ) مُتصلةٌ مع التنظيم الأم. إلا أن احتلال العِراقُ منح الدولة الأرُدنيةُ هدية مجانية، إذ سمحت لأعضاء التنظيِم بالذهابِ إلى العراقِ لمواجهة الُقواتِ الأميركية، أي أن الدولة صدرت مُشكلُ التيار السلفي - خصوصا القياديةِ منها - إلا أنها تضخمت وازدادت قوة وخبرة.
فِيما مضى كانت تُخضع التياراتُ لرقِابة أجهزةِ الدولةِ، لكنها فقدت تلك الرقابة بمجرِد ذهابهم إلى العراقِ، إذ بدأ التيارُ بالتفكيِر جديا باستهداف الداخلِ الأردُني، وزعزعةِ أمنُه واستقرارُه، كان أكثرُها ضررا ما شهدتُه الفنادقُ في العاصمةِ عمانِ عام 2005 !
الذئاب المنفردة
تُشير الدراساتُ الدولية إلى أن هُناك ما بين 3000 - 4000 أرُدني ينضوي تحت راياتِ التنظيماتِ الإرهابية في سُوريا والعراقِ، يُمكن أن يُسهموا في زعزعةِ أمنِه واستقرارِه داخليا، واحراجِه وتوريِطهِ خارجيا في حالِ عودتهم إلى الأردن، خُصوصا مع انتشار الأفكارِ للامركزيةِ في عملِ التنظيماتِ الإرِهابيةِ، والقائمة على تحرُكاتِ ( الذئابُ الفرديُة ) في عملياتِها دُون الُرجوعِ إلى التنظيِم الأمِ، ما يُعطي الأفراد مساحات وحُرية كبيرة جدا للتحِركِ في سبيلِ إنجاحِ أفكارهِم، وإذِلال الأنظمة في عُقرِ دارها.
الخُلاصة :
يمُكنُ النظرُ لنجاحِ علي أبو السكر، في سِياقِ إِعِادة تمحورٍ لِمواجِهةِ التيارِ الجِهادي خُصوُصا تنظُيمُ داعش الإرهابي - استمدت أفكارُه من زعيمِ تنُظيمِ التوُحيدِ والجِهاِد أبُو مُصعب الزرقاوي - نتيجة الردة المُتوقُعة لأفِرادِ التنظيم إلى نِقاطِ ارتكازهم ومُدن الحواضنِ، بعد خسارِة داعشِ لمِعاقلها في العراقِ وسوريا، سيما وأن الأردن يُعتُبر من الُدولِ المُصدرةُ لِلسلفيِة الِجهاديِة.
فهل ينجحُ الإخوانُ في دورِهم الجديد ؟
kayasrh@gmail.com