طبيعة صلاحيات مجالس المحافظات
عبد الكريم محسن ابو دلو
23-08-2017 02:14 AM
مع الانتهاء من تشكيل مجالس المحافظات انتخابا وتعيينا، ومع بدء نفاذ ولاية هذه المجالس بنشر اسماء الفائزين في عدد الجريدة الرسمية الذي صدر يوم الاثنين الموافق 21/8/2017 ومن ثم دعوة المحافظين المختصين هذه المجالس للانعقاد في أول اجتماع له لانتخاب رئيس المجلس ونائبه ومساعده، بما يترتب على بدء ولاية هذه المجالس آثار قانونية عديدة أهمها سريان الاحكام القانونية من قانون اللامركزية رقم 49 لسنة 2015 المتعلقة بمهام المحافظ وصلاحياته وتشكيل المجلس التنفيذي واختصاصاته، حيث تم اعادة تنظيم هذه الصلاحيات والاختصاصات وكيفية تشكيل المجلس التنفيذي بموجب قانون اللامركزية، التي كان ينظمها بالأصل نظام التشكيلات الادارية، الذي اجريت عليه تعديلات عديدة تتوافق مع احكام قانون اللامركزية. وقد بدأ الكثير من الناس، وحتى العديد من اعضاء مجالس المحافظات أنفسهم يفطنون الى التساؤل عن طبيعة مهام مجلس المحافظات وعلاقتها بالدوائر الحكومية والمؤسسات العامة في المحافظة.
تعالج هذه المسألة المادة 8 من قانون اللامركزية، التي تنظم مهام مجلس المحافظة، وبتحليل هذه المهام فانه يمكن تصنيفها وفق الاتي:
1. مهام ذات طبيعة مقيدة.
تتمثل هذه المهام في:
- اقرار مشروعات الخطط الاستراتيجية والتنفيذية المتعلقة بالمحافظة والتأكد من تنفيذها
- اقرار مشروع موازنة المحافظة ضمن السقوف المحددة من وزارة المالية
–اقرار دليل احتياجات المحافظة من المشاريع التنموية والخدمية وتحديد اولوياتها
–اقرار المشاريع الخدمية والاستثمارية
– اقرار خطة طوارئ المحافظة .
حيث تكون، هذه المشاريع والأدلة والخطط، محالة الى مجلس المحافظة من قبل المجلس التنفيذي. بالإضافة الى اقرار المشاريع التنموية التي تعود بالنفع العام على المحافظة، على ان يؤخذ بعين الاعتبار المشاريع التنموية التي اقترحتها المجالس البلدية والدوائر والمؤسسات الرسمية ضمن المحافظة. وبالإضافة ايضا الى صلاحية مجلس المحافظة بالنظر في أي موضوع يعرضه عليه المحافظ.
ان صلاحية مجالس المحافظات بالنظر بهذه المشاريع والخطط وأي موضوع يعرضه عليه المحافظ مربوطة ومقيدة بصلاحية المجالس التنفيذية بإعدادها وإحالتها الى مجالس المحافظات، فلا يملك مجلس المحافظة اعداد مثل هذه المشاريع والخطط او النظر في أي موضوع من تلقاء نفسه.
كما ان سلطة مجلس المحافظة عندما تحال اليه هذه المشاريع والأدلة والخطط هي سلطة مقيدة، اذ نص القانون على ان مهمته تتمثل في (اقرار) هذه المشاريع والأدلة والخطط، ولم يستعمل المشرع مصطلحا اوسع يتيح لمجلس المحافظة (عدم اقرار) هذه المشاريع والأدلة والخطط، وبذلك يبرز تساؤل جوهري ازاء هذه المهام بأنه هل لا يملك مجلس المحافظة إلا اقرار المشاريع والخطط والأدلة التي تحال اليه من المجلس التنفيذي، فلا يملك عدم اقرارها وفقا لصياغة النص القانوني؟
كما يثير ذلك تساؤلا اخرا هل يملك مجلس المحافظة ادخال تعديلات على هذه المشاريع والخطط والأدلة ومن ثم اقرارها دون الرجوع الى المجلس التنفيذي؟
ان جمود النص باقتصار صلاحية مجلس المحافظة على الاقرار فقط، يفقد هذا المجلس صلاحية ادخال أي تعديل على تلك المشاريع والخطط والادلة دون الرجوع الى المجلس التنفيذي.
وذلك مع الاشارة الى ان نص المادة 11/أ من قانون اللامركزية يقضي بأنه اذا نشأ خلاف بين مجلس المحافظة والمجلس التنفيذي حول أي من المسائل المتعلقة بالمحافظة، يحال ذلك الخلاف الى لجنة مشتركة من المجلسين برئاسة رئيس مجلس المحافظة، وتتخذ اللجنة قراراتها بأغلبية اصوات الحاضرين ويكون قرارها ملزما، وفي حال تساوي الاصوات يرجح الجانب الذي صوت معه رئيس مجلس المحافظة، حيث يمكن من خلال هذه الآلية معالجة الخلاف بين المجلسين حيال اقرار أي من المشاريع او الخطط او الادلة المتبادلة بينهما.
2.مهام مستقلة.
يمارس مجلس المحافظة هذه المهام بشكل مستقل لا تتوقف على أي اجراء من قبل المجلس التنفيذي- وتمثل هذه المهام في:
- اقتراح انشاء مشاريع استثمارية والقيام بمشاريع مشتركة مع المحافظات الاخرى بموافقة الجهات المختصة
- وضع التوصيات والمقترحات للجهات المختصة بما يكفل تحسين اداء الدوائر الحكومية والمؤسسات العامة ضمن المحافظة لضمان تقديم افضل الخدمات
- تحديد المناطق الواقعة ضمن حدود المحافظة التي تعاني من نقص في الخدمات والتنمية او من المشاكل الطارئة واقتراح الحلول لها مع الجهات ذا العلاقة.
وبذلك يتبلور نوع من السلطة التقديرية لمجلس المحافظة ازاء هذه المهام، يمارسها بشكل مستقل وبناءً على تقديراته ورؤيته للوضع العام في المحافظة دون ان ترتبط ممارسة هذه المهام بالمجلس التنفيذي او ان تتقيد به.
1. مهام شبه رقابية او رقابة منقوصة.
يتمثل النطاق الموضوعي لمهام مجلس المحافظة شبه الرقابية في :
- الاطلاع على كيفية تنفيذ الموازنات السنوية لجميع بلديات المحافظة.
- مناقشة تقارير عمليات تنفيذ المشاريع والخطط والبرامج التي تتولى الدوائر الحكومية في المحافظة تنفيذها، بما لا يتعارض مع عمل اجهزة الرقابة الحكومية المختصة ومتابعة سير العمل بالمشاريع التنموية وتقييمها.
- مناقشة أي من اعضاء المجلس التنفيذي في الموضوعات الداخلة ضمن اختصاصه.
لكن يجدر التنويه ان هذه المهام الرقابية، ليست ذات طبيعة رقابية كاملة كما هو المعنى المكرس للرقابة في صلاحية مجلس النواب الدستورية بمراقبة اعمال الحكومة. لأن قانون اللامركزية، وان اسند لمجالس المحافظات مهام الاطلاع والمناقشة والمتابعة، إلا انه لم يمكّن مجلس المحافظة من أدوات فعالة يبسط من خلالها رقابته على عمل المجلس التنفيذي ككل او على أي من عمل الدوائر الحكومية والمؤسسات العامة التي يتشكل منها المجلس التنفيذي في المحافظة، مثل توجيه السؤال او الاستجواب او التنسيب او اتخاذ أي اجراء اداري او تأديبي بحق أي من اعضاء المجلس التنفيذي، فهي بالتالي رقابة منقوصة تقف عند حد الاطلاع او المناقشة او المتابعة فقط، ولا تتعداها الى حد المساءلة.
أما عن النطاق الشخصي للمهام الرقابية، فأنها تنحصر في مناقشة أي من اعضاء المجلس التنفيذي فقط، بحيث لا يتعدى نطاق هذه المهام الرقابية الى مناقشة أي من مدراء الدوائر الحكومية والمؤسسات العامة في المحافظة من غير الاعضاء في المجلس التنفيذي، وهذا يعبر عن قصور النص التشريعي حيث لا يوجد مبرر بعدم امتداد هذه الرقابة الى كافة مدراء الدوائر الحكومية والمؤسسات العامة في المحافظة.
ومن جهة أخرى هل يمتد النطاق الشخصي للمهام الرقابية الى صلاحية مجلس المحافظة بمناقشة المحافظ بالموضوعات الداخلة ضمن اختصاصه؟
ان المادة 4/أ من قانون اللامركزية تنظم تشكيلة المجلس التنفيذي برئاسة المحافظ وعضوية العديد من الجهات- المذكورة على سبيل الحصر في القانون، وهذا يعني ان القانون فصل بين موقع الرئيس وبين موقع العضو- في حين ان رئيس مجلس المحافظة يكون منتخبا من بين اعضاء المجلس-، فالمحافظ وان كان رئيس المجلس التنفيذي فإنه ليس عضوا فيه، بالتالي لا يملك مجلس المحافظة مناقشة المحافظ بالموضوعات الداخلة ضمن اختصاصه.
بذلك نجد ان طبيعة مهام مجالس المحافظات تنقسم الى مهام ذات طبيعة مقيدة ومربوطة بمهام المجلس التنفيذي، ومهام ذات طبيعة مستقلة يمارسها مجلس المحافظة من تلقاء نفسه دون التوقف على احالتها اليه من المجلس التنفيذي، مهام ذات طبيعة رقابية منقوصة.