كنا نتمنى لو ان المشتغلين في مجال علم الاجتماع من الاكاديميين العرب يكملون ما بدأه الرائد الراحل د . علي الوردي فالرجل نبش المسكوت عنه في كل تفاصيل حياتنا، وكشف المستور خصوصا ما يتعلق بالبداوة المزمنة، وما يعشش تحت الرخام، وهو يلتقي مع ما قاله نزار قباني عن قشرة الحضارة والروح الجاهلية .
لكن القطيعة بين الاجيال حالت دون استكمال مشروع د . الوردي مثلما حالت دون استكمال مشاريع فكرية وحضارية عديدة، وكأن قدرنا ان نعود دائما الى اول السطر ونبدأ من الصفر.
اطروحات د . الوردي في المجال الاجتماعي اخترقت حاجز التواطؤ، وقدم الرجل من الامثلة ما يكفي لتجسيد ظواهر شاذة استمرت رغم زوال مقدماتها واسبابها .
وقد تكون حاجتنا كعرب الى علمي النفس والاجتماع اكثر من الحاجة الى الدواء؛ لأن ما افرزه الواقع من امراض يحتاج الى تشخيص وبالتالي الى علاج، وشرط ذلك الاعتراف لا الانكار واخفاء الرأس في الرمال كالنعامة.
ولا نحتاج الى كثير من المجازفة او الشجاعة لنقول بأن واقعنا العربي اصبح شبيها بثياب المهرج وما يرصع به صدره من اغطية الزجاجات الفارغة وكل ما يعثر عليه في الطريق فالتجانس مفقود، والاوركسترا غائبة لصالح العزف المنفرد، والغربة التي يعاني منها الانسان المتمدن والواعي مزدوجة، زمانية ومكانية.
ان جذور كثير من القضايا التي تبدو سياسية واجتماعية وتربوية، لكن فِقه الطلاق المتعسف الذي يعزل النتائج عن المقدمات والوسائل عن الغايات يحرمنا من فهم حقيقة ما يجري حولنا واحيانا تحت اقدامنا!
والتمدن كما كل اشكال الحداثة ليس عمرانا مزخرفا او قشورا تخفي تعفُّنا مزمنا، لهذا فإن الاحتكام في اللحظات الحاسمة يكون لأعراف وتقاليد تفوق قوتها القانون، وما اسرع ان تعود حليمة الى عاداتها القديمة.
ما بدأه د . الوردي يسستحق ورثة يكملونه خصوصا بعد ان تفاقم الداء واصبح وباء !!
الدستور