من المسؤول عن "أحداث الرابية"؟!
د. محمد أبو رمان
10-01-2009 03:47 AM
إلى ظهيرة أمس، أي قبل الاعتداء على صحافيين ومتظاهرين، كان الموقف الرسمي الأردني من العدوان الإسرائيلي على غزة متقدماً على الدول العربية كافة، وموضوعاً للإشادة بحسن إدارة الأزمة الداخلية والتعامل مع تداعيات العدوان والسير بخطين متوازيين بين خطاب الدولة والشارع على السواء.
المفارقة أنّ الكاتب في "الغد" ومدير مكتب "الجزيرة" الزميل ياسر أبوهلالة، كان إلى قبل الاعتداء عليه بدقائق، يشيد بالموقف الرسمي وقدرته على إدارة الشارع والتعامل معه، قبل أن يتغير المشهد بكليته وتصبح عمّان موضع الحدث لا غزة، فتنقل الفضائيات صور الاعتداء على متظاهرين في منطقة الرابية، وصور إزالة خيمة الاعتصام بالقوة، وكذلك صورة الاعتداء على أبو هلالة و"اعتقاله"!
في دقائق معدودة، خسرنا "الصورة الإعلامية"، التي ربحناها خلال أربعة عشر يوماً من السماح بسائر أشكال التعبير والتعاطف مع الأشقاء الغزيين، بعد أن كان الجميع (في مختلف أنحاء العالم) يشيد بإدارة الأزمة الداخلية وبقدرة الدولة على تجنب تفخيخ "المشهد السياسي" وتحصينه من أي تداعيات أمنية وسياسية.
كنت أشاهد فضائية "الجزيرة" خلال ساعتين كاملتين، وأرقب التصرف الحضاري لقوات مكافحة الشغب التي اكتفت بإقامة درع واقٍ ناعم، لمنع المتظاهرين من الوصول إلى السفارة الإسرائيلية، قبل أن يصدر "قرار غريب" بتفريق المسيرة وهدم خيمة الاعتصام!
لا أعلم هل كان يعلم من أصدر ذلك القرار بالاعتداء على "مسيرة الرابية" أيَّ ضرر يلحقه بسمعة الأردن وموقفه الذي قفز إلى مرتبة عالية من التقدير داخلياً وخارجياً خلال الفترة السابقة من العدوان؟!
الملك بنفسه تحدّث هاتفياً مع الزميل أبوهلالة في المستشفى، وأكّد على موقف جلالته الرائع برفض الاعتداء على الصحافيين واعتقالهم، فهل من قاموا بالاعتداء على الزميل ياسر يريدون أكثر من "الحصانة الملكية"؟! أو من موقف رئيس الوزراء الذي عاد الزميل ياسر في المستشفى أمس؟!
من قام بإدارة الموقف أمس قفز عن موقف الملك المتقدم والمشرّف ضد العدوان الإسرائيلي وتجاوز - كذلك- الضمانة الملكية بعدم الاعتداء على الصحافيين. بل وهنالك معلومات موثوقة بأنّ الملك نفسه أكّد إتاحة المجال للشارع للتعبير عن موقفه وتضامنه منذ الساعات الأولى للعدوان.
ليس فقط الزميل ياسر من له كرامة و"حصانة" وضمانات حقوقية، بل المواطنون كافة الذين تمّ الاعتداء عليهم، وهو ما يدعو إلى تحقيق رسمي واضح ومعلن.
في السياق، أتمسّك بما قاله مستشار جلالة الملك، أيمن الصفدي، خلال زيارته الزميل ياسر، بأنّ ما حدث لا يمثل تحولاً سياسياً في الموقف الرسمي، ولا يعبر عن سياسة ولا عن قرار معين، بقدر ما هو موقف فردي سيتم التعامل معه بصورة حاسمة.
الأيام المقبلة ستحمل مؤشرات على الموقف الرسمي وعلى إدارة الحالة الداخلية في سياق التعامل مع العدوان، والخطوة الأولى تتمثل بإعادة الخيمة السلمية لاعتصام الرابية، والاستمرار في السماح لمسيرات التعبير السلمية.
التأكيد الرسمي على رفض ما حدث أمس لا يكتمل إلاّ بالتحقيق مع المسؤولين الذين قاموا باتخاذ هذا القرار ومن اعتدوا على الزميل أبو هلالة وعلى مصوري "الجزيرة" وعلى باقي المتظاهرين، ومن أمر بإزالة خيمة الاعتصام والاعتداء على "الشواهد" الرمزية التي أقامها المواطنون لضحايا العدوان الإسرائيلي.
في المقابل، المطلوب من القوى السياسية والشعبية والفعاليات المختلفة ضبط النفس وتجنب نقل الأزمة إلى الداخل، والتأكيد على التعبير السلمي المطلق الحضاري، والبعد عن الاشتباك مع رجال الأمن، أو استفزازهم، أو قذفهم بالحجارة وهو موقف في كل الأحوال مرفوض وغير مقبول وغير حضاري.
m.aburumman@alghad.jo