في غضون اسبوع سيحل صهر الرئيس الأمريكي ومستشاره البارز جاريد كوشنر في عمان ضمن جولة شرق أوسطية تشمل كلا من مصر والسعودية والإمارات وقطر بجانب السلطة الفلسطينية وإسرائيل في محاولة جديدة لاستئناف محادثات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين- إحدى أصعب المهام الدبلوماسية أمام إدارة ترامب- ينضم الى كوشنر المبعوث الأمريكي الخاص للمفاوضات الدولية جيسون جرينبلات، ومستشارة ترامب للأمن القومي دينا باول .

من الواضح ان الادارة الامريكية لم تبلور بعد خطة سلام محددة وليس لديها خطة تفصيلية عما يجب القيام به وهي في طور الاستماع الى وجهات النظر المختلفة في المنطقة ومن الجيد انهم يستعمون لجلالة الملك بهذا الخصوص بشكل مميز، ومن الجيد بل المفضل ان نعرف ماذا سيطلب من الاردن في هذه المرحلة وماذا يجب على الأردن ان يطلب في المقابل.

على رأس المطالب الامريكية سيكون المطلب الاصعب على المملكة وهو امكانية السماح بعودة طاقم السفارة الاسرائيلية الى العمل من عمان وردا على ذلك يتوجب على الاردن ان يبحث بشكل استراتيجي معمق تأثر علاقته بالولايات المتحدة واسرائيل على تهديدات ومخاطر ثقيلة الوزن تتجلى في ثلاثة قضايا اساسية:

الاولى: استئناف المسيرة السلمية عبر اطلاق مفاوضات فلسطينية اسرائيلية جادة وحقيقية وحفظ مكانة الاردن في اي صفقة سياسية محتملة ،كذلك حفظ دور الاردن في الحرم القدسي.

القضية الثانية: عدم السماح لإيران والميلشيات الشيعية بموطئ قدم في الجنوب السوري ، القضية الثالثة: الاستمرار في دعم الاردن اقتصاديا وعسكريا لمواجهة ضغوط اللجوء السوري ومحاربة الجماعات الارهابية .

مطلوب ايضا ان يتم الاتفاق مع الادارة الامريكية لوضع اليات وادوات للتصرف في حال وقوع توترات مشابهة لما حدث في الحرم القدسي بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية واسرائيل لمنع تدهور الاحداث، وكذلك للتأكد من أن أية إجراءات امنية أو إدارية مستقبلية سيتم اتخاذها لن تضر بالوضع الراهن وتحافظ على الواقع القانوني والتاريخي للاماكن المقدسة وتحافظ على مكانة الاردن كوصي وراع ووحيد للمقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس.

مصالح الاردن السياسية والاستراتيجية اكبر من ان يتم اهدارها بحادثة امنية وقدرة الدولة الاردنية وخبراتها الدبلوماسية اقدر على تجاوز الازمات من الوقوع في المزالق الخفية ، الولوج في مساومات ومفاوضات وتقديم تنازلات معينة لا يشير الى ضعف الدولة بقدر ما يشير الى النضج في اتخاذ القرار والثقة في النفس، محظور ان ننسى ان اتفاقية السلام الاردنية الاسرائيلية هي الاطار القانوني والدبلوماسي والسياسي الوحيد الذي يمكننا من ممارسة الوصاية الهاشمية على المقدسات ويضمن لنا دورا في مفاوضات الوضع النهائي.

سلم الاولويات الوطنية يتحدد بناء على التفكير الاستراتيجي السليم الذي يخلق التوازن الدقيق بين الاهداف والمصالح الوطنية وبين رغبات الجمهور وعامة الناس الناشئة عن ازمات سياسية كانت ام اجتماعية، لكن بكل الاحوال، لا ينبغي ان تكون هذه الرغبات او المطالب اداة ضغط لاتخاذ قرارات لا تراعي المصالح الوطنية، عملية اتخاذ القرار في المسائل المتعلقة بالمصالح الاردنية الاستراتيجية يجب ان تكون متحررة من ضغط الرأي العام وتسمح بهامش معقول من حرية المناورة والحركة لصانع القرار، وعلى الاردنيين ان لا يسمحوا بخسارة الاردن لموقعه في عملية السلام وفي القدس لصالح اطراف عربية واقليمية اخرى.

ان احداث السفارة وما تلاها من تطورات بكل خطورتها وحساسيتها لا يمكنها ان تغير الواقع الذي تفرضه موازين القوى الحقيقية في المنطقة كما لا يمكنها ان تغير الخط السياسي والدبلوماسي الاردني الذي تم انتهاجه لعشرات السنوات ، مطلوب من الاردن ان يحافظ على التوازن ورباطة الجأش واتخاذ القرارات التي تعكس المصالح الوطنية بعيدة المدى وعدم السماح بتقويض مكانتنا وتغول دول اخرى على مكتسباتنا في الشرق الاوسط، فنحن كما قيل، دولة غير قابلة للابتلاع.