قبل 26 عاما قال اسحاق شامير رئيس وزراء اسرائيل وقتذاك في تصريح له على هامش انعقاد مؤتمر مدريد عام 1991: (سنفاوضهم عشرين عاما دون الوصول الى نتائج )، شامير هذا هو الاب الروحي لنتنياهو ولمجمل اليمين المتطرف والارهابي في اسرائيل، وكان احد المطلوبين بارتكابه جرائم ارهابية للامم المتحدة بسبب اغتياله مبعوث الأمم المتحدة إلى الشرق الأوسط الكونت برنادوت ومساعده في أحد شوارع القدس، ومطلوبا لبريطانيا بعد اغتيال منظمة « اورغن » التي كان يتزعمها اللورد البريطاني موين الذي عارض المشروع الصهيوني بفلسطين.
على ارض الواقع صدقت رؤية شامير، رغم انه ليس نبيا او قديسا، صدقت رؤيته لانه يعلم تماما تعاليم المدرسة الليكودية التي كان جذرها الحقيقي في منظمات القتل والتطهير القومي ضد الشعب الفلسطيني من «الهاغاناه» الى «الارغن زفاي ليومي» والى «شترين» التى كان يتزعمها شامير والتى كانت اكثر وحشية ودموية، فتلك المدرسة كانت تقتل من اجل السيطرة على الارض وكانت عقيدتها وما زالت تقدس القتل من اجل السيطرة على الارض، ولذلك وعندما قال هذا الارهابي «سنفاوضهم عشرين عاما دون الوصول لنتائج»، كان من الناحية العملية يدرك ان الركيزة الاساسية لمؤتمر مدريد للسلام «الارض مقابل السلام» هي عبارة عن نكتة مضحكة، فاسرائيل تملك الارض وتريد الاحتفاظ بها والى الابد وفي نفس الوقت لا تريد السلام الذي يجعلها تقدم الارض مقابله، فالارض مقابل السلام لا يعني لليمين الاسرائيلي اي قيمة، فهو يملك الارض ويحظى بالسلام دون اي عناء يذكر وفوق هذا وذاك يملك القوة ولا يستشعر الخطر!َ!
من الممكن الاعتراف اليوم وبعد 24 عاما على اتفاق اوسلو بين السلطة الفلسطينية وحكومة اسحاق رابين الذي اغتيل بسبب توقيعه على الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية من قبل اليمين المتطرف، ان السلام الفلسطيني – الاسرائيلي الذي يمكن ان يؤدي الى اقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران وعاصمتها القدس الشرقية هو وهم كبير وكذبة لم يعد يقبلها الواقع.
فكل المعطيات تشير الى ان اليمين الليكودي تحديدا والذي تجدد بالنموذج الثالث والخطير والذي يمثله نتنياهو بعد نموذجي بيغن وشامير، ليس في حساباته على الاطلاق موضوع السلام واعطاء الشعب الفلسطيني حقوقه خاصة في ظل غياب كامل لعوامل الضغط عليه سواء اسرائيليا «اليسار الاسرائيلي في غرفة الانعاش وقد يدفن في اي لحظة»، ولا فلسطينيا حيث ترى السلطة الفلسطينية ان المواجهة مع اسرائيل او الولايات المتحدة هو نوع من « الانتحار السياسي» وترى بالتنسيق الامنى بديلا معقولا لاخذ ايام اضافية لها من «الشرعية الواقعية» وما يتبعها من امتيازات تمنحها لها تل ابيب، ولا عربيا حيث باتت القضية الفلسطينية والتحدث عنها والاهتمام فيها نوع من مضيعة الوقت.
ادارة ترمب القريبة لدرجة التماهي مع ادارة نتنياهو لا تملك اي مشروع في الشرق الاوسط وحتى عداءها المعلن لايران هو نوع من «ابتزاز دول الخليج العربي» وانعطافاتها المتقطعة تجاه «الموضوع الفلسطيني وقضية السلام بالشرق الاوسط» هي الاخرى تحاول من خلالها مجاملة الاردن ومصر بحكم ان هذين البلدين يتعاملان مع القضية الفلسطينية باعتبارها قضيتهما المركزية.
ان الوفد الاميركي الكبير الذي سيزور المنطقة قريبا والذي يضم مسؤول ملف السلام في الإدارة الأميركية جاريد كوشنير، والمبعوث الأميركي للشرق الأوسط جيسون غرينبلات، ونائب مستشار الأمن القومي دينا باول لا يملك اية تصورات لعملية سلام بابعاد او اطر زمنية واجندة تفاوضية، بل هي رحلة علاقات عامة هدفها الرئيسي كما تقول وسائل الاعلام الاسرائيلية والاميركية البحث في قضيتين اساسيتين وهما:
اولا: كيف يمكن احتواء ايران اقليميا «وهو سؤال لارضاء دول الخليج وتغذية هواجسها من طهران ليس اكثر».
ثانيا: تحديد خيار البديل لمحمود عباس في حال غيابه المفاجئ.
ان ما تسرب على لسان جارد كوشنير في الجلسة المغلقة في الكونغرس والذي قال اعترف خلالها بعدم وجود حل للصراع الإسرائيلي- الفلسطيني، وسربه موقع مجلة ” WIRED ” الأمريكية يؤكد ان مشروع تجميد القضية الفلسطينية في ثلاجة الموتى ممتد من عام 1991 الى اليوم وغد، شامير الذي وصفناه بالمجنون، اتضح انه يعي تماما ما يقول!
Rajatalab5@gmail.com
الرأي