facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss




الصمتُ أجـــدى!


سليمان الطعاني
20-08-2017 11:22 PM

كمن قُطع لسانه، أو أصيب بالخرس، أو افترسه العجز، هكذا حالي، هكذا أجد نفسي هذه الأيام، شكل من أشكال الاستسلام، موقفي الفعلي يتحصّن بالرّفض الأخلاقي، ولا أستطيع الوصول الى الفعل بسبب كرامتي، كذا صرتُ في موقف يشبه اللاموقف.

يا له من امتحان صعب يسوده صمتٌ رهيب! صمتٌ لا يبدده كلام ملفّق لأولئك الذين لا يفقهون شيئاً، أو صور تحولت الى أوراق سوداء، الحزن الذي يجتاحني هو حزن العاجزين، ضاعت فيه كل معاني الجمال، تلاشت معه الأحلام، وتبدد الطموح حيث لم اعد قادراً سوى أن أعلن موقفاً يغطي العجز ويفاقمه في آن معاً. كذا أجد نفسي بلسان مقطوع، متدرّعاً بالصمت، تتناثر لدي عبارات أحياناً تعبئ فراغات الصمت ولكن بما يشبه الصمت ايضاً.

انا لا أمدح الصمت، ولكن عندما يتحول الحلم الى كابوس، لم يبقَ أمامي سوى الصمت الرهيب، صمتُ الضحية النبيل، ولمن لا يعلم، فإنّ الضحايا يصمتون لأنهم يحفظون شرف الكلمة، وانهم أصحاب همم عالية، يحلمون بتحقيق قيمة مضافة في حياتهم.

ما أجمل الصمت في اللحظات التي تؤمن تماماً أن الطرف الآخر غير قادر على استيعابك، وهو في هذه الحالة زينٌ وسلامةٌ، لأن صفحات البوح فارغة لا تملؤها كل تلك الثرثرة من حولي إلا من سطور الدمع الذي يرافق صمتي.

أصمت لأن الصمت هو الحل الوحيد، هو الكهف الذي ألوذ إليه خوفاً من صخب البوح وضجيجه، أصمت لأغادر حصار اللغة وأتمرد على قيود الكلام وأمضي إلى فضاءات الصمت الرحبة حيث لا حدود ولا قيود، أصمت حين تكون الكلمة خطوة إلى مجهول لا أريد المضي إليه أصمت، لأن الحقيقة أصبحت كالخرافة أصمت، لأن الصمت لغة تحوي كل اللغات، تواصل يعبر الآفاق ويتجاوز المسافات يخترق حواجز الجفاء والفراق والبعد، فأهذي كما أشاء، وأغضب، وأشتاق، وأعاتب كما أشاء، وأبكي كما أشاء، أصمت لأن الحدث مأساة، لأن في

العروق أسىً، وفي الحنايا أذىً وخراباً هو مني وليّ. أذى نما وترعرع من كثرة ما رويته عطفاً وحناناً ودموعا. أصمت، لأن الصمت احتجاج على ظلم ليس بالإمكان رده بسبب كرامتي. أصمت، لأنني خُذِلتُ! وتحطمتْ عندي زهور تفتحت يوماً بالأحلام، وتحطمتْ أمام عينيّ كؤوس ملأتها يوماً بالأمنيات، وأطفئتْ أمام ناظريّ قناديل الأمل، التي ظننت يوماً انها ستضيء دربي، حتى ظهرت خيوط اليأس أمامي. أصمت، لأن الكلمات سجينة، فمن العبث أن تصرخ في أذن أصمّ أو تستنطق شفاه أبكم. أصمت. لأنني أعرف أن هناك أناساً يجيدون قراءة صفحات الصمت ويسمعون همس السكوت. أصمت لأن الآخر يرفض الإنصات ويرفض أن يتعلّم، فيهرب من طنين العتاب. ولسعات اللوم. ولكن أنّى له أن يهرب من سوط الضمير الذي قد يفيق يوماَ ما.... الصمتُ أجدى.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :