يقول كارل ماركس: "التاريخ يعيد نفسه في المرة الأولى كمأساة وفي المرة الثانية كمهزلة".
والتاريخ ليس عددا يضم ثمانية أرقام في حده الأقصى بل "حدثا" مكتنزا بعدد لا نهائي من أرقام العبر والدروس، لكن المشكلة تكمن في أنه ليس بالضرورة أن كل ما نقرأه في التاريخ هو "الحدث" المجرد بعينه كما حدث بل قد يكون أحيانا انعكاسا لوجهة نظر المؤرخ وإسقاطا لتوجهاته السياسية ومعتقداته الدينية.
وعليه، كيف لنا إذن أن نستلهم العبر والدروس من تاريخ قد لا يكون "الحدث" المجرد بنفسه كما حدث حين نريد أن نفهم كيف استطاعت قطر إقامة علاقات قوية مع الولايات المتحدة وإيران في وقت واحد، وحين نرغب أن ندرك لماذا وقَعت قطر في كانون أول عام 2014م اتفاقية عسكرية مع تركيا في مجال نشر قوات مسلحة تركية على الأراضي القطرية رغم وجود قاعدة عسكرية أميركية في خور العديد؟
ليس أمامي من مخرج لمسألة التاريخ الجدلية هذه إلا أن أسرد لك عزيزي القارئ بعض الأحداث التي مرت بها قطر في سالف العصور وغابر الأزمان كما رواها أكثر من مؤرخ، لنجري من بعدها مقارنة بين ماضي قطر وحاضرها على ضوء تلكم الأحداث التي مرت بها
وفي ظل الأحداث التي تمر بها حاليا.
أولى تلكم الأحداث أن آل ثاني كزعماء للقبائل القطرية دخلوا عام 1850م في تحالف مع أمير الدولة السعودية الثانية فيصل بن تركي رغم أن القطريين بزعامتهم كانوا قد صدوا هجوما للسعوديين بقيادة الأمير وهزموهم في معركة مسيمير على الحدود القطرية في وقت سابق من العام نفسه! وهذا حدث لم يختلف في روايته المؤرخون.
ثاني تلكم الأحداث أن آل ثاني كزعماء رئيسيين لقطر وقَعوا في عام 1868م اتفاقا مع المقيم البريطاني السياسي في الخليج آنذاك لويس بيلي. أحد المؤرخين قال أن الاتفاق نص على تعهد آل ثاني بعدم انتهاك اتفاقية الهدنة البحرية –رغم أنهم لم يكونوا طرفا في هذه الاتفاقية- شريطة أن تقوم بريطانيا بحمايتهم من أي اعتداء من قبل آل خليفة في البحرين. بينما قال مؤرخ آخر أن بريطانيا اعترفت في هذا الاتفاق بآل ثاني حكاما على قطر، مما أدى بالنتيجة إلى انفصال قطر عن البحرين، وذلك مقابل أن يعود آل ثاني إلى المقيم السياسي البريطاني في الخليج في أي نزاع قد ينشب مستقبلا بينهم وبين جيرانهم.
وبغض النظر عن اختلاف رؤية المؤرخين لهذا الاتفاق فإن المفارقة تكمن في أن حامية عسكرية عثمانية جاءت إلى ميناء البدع الواقع على الساحل الشرقي لقطر بعد ثلاث سنوات من هذا الاتفاق، تحديدا في تموز عام 1871م، وذلك بناء على طلب من آل ثاني لحماية قطر من أي اعتداء خارجي! وتكتمل غرابة المشهد في أن القطريين بقيادة آل ثاني دحروا العثمانيين فيما بعد في معركة الوجبة عام 1893م!
قد تستغرب معي عزيزي القارئ كيف تحالف آل ثاني مع عدو الأمس، وقد تستبد بك الدهشة كيف استطاعوا أن يقيموا علاقات قوية مع الإنجليز والعثمانيين في وقت واحد! وإذا أجريت مقارنة بين سياساتهم في العقود الأخيرة من القرن التاسع عشر، وسياساتهم في العقدين الأولين من هذا القرن، وتداعيات هذه السياسات على شبه الجزيرة القطرية ربما تجد لسان حالك يقول: التاريخ يعيد نفسه!
عندنا مثل شعبي يقول: "من شب على شيء شاب عليه"، وإذا افترضت جدلا أن هذا المثل ينطبق على الدول كما ينطبق على الأفراد، فإنني لعلني لا أجافي واقع قطر في ماضيها وحاضرها إذا قلت أن قطر شبت على مثل هذه السياسات فشابت عليها!
وما أشبه اليوم بالأمس يا قطر!