نبضات في ديوان نصل اليراع للشاعر محمد خالد النبالي
عبد الرحيم جداية
20-08-2017 02:47 AM
عمون - قراءة نقدية بقلم الشاعروالناقد عبد الرحيم جداية
يطل علينا الشاعر محمد خالد النبالي بديوانه الجديد، الذي أخذ من اليراع والحبر والحرف نصلا، يحمل رسالة الوطن العزيز، حيث أمتلأ النص الشعري في ديوان نصل اليراع بمفردات تقودنا لاستشعار الحالة النفسية والاجتماعية للشاعر الذي يعيش على مساحتين أو أكثر في مثلث العلاقة بين القدس وبيروت وعمان، هذه العلاقة التي وصفها بالذكرى والدمع المسافر، فيقول في قصيدة ( يا وجه المليحة):
" بيني وبينك ذكريات الخلد" وما زالت مفردات الذكرى واشتقاقاتها والسفر والتطواف رموزا، حيث يعرج على قيمة المسافة بقوله:
" أخبرت بيروت التي
ذكرت
بإنشاد النشيد
أن المسافة بيننا
حجبت"
وتؤكد المسافة والذكرى والتطواف على مفهوم الشتات والقادمين من المحن، رابطا هذا المفهوم بالأغراب ولا ينسى تلك العلاقة بين المساجد والكنائس بقوله:
" ووصفت احزان المساجد والكنائس في
بلاد كل ما فيها بأيدي
الله من قبل الزمان وبعدما
يأتي الأفول"
فالشاعر إبن المسافة والقضية، إبن ثالوث العواصم، لكنه أبو الشعر ووالده، يقدم لنا تعبيرا أصيلا عن الوطن وهمومه في ديوان نصل اليراع الذي يشكل مرحلة جديدة في تجربة الشاعر محمد خالد النبالي، لكن السفر والتطواف والرحيل والذكريات تبقى همه في قصيدة (مسافر إلى القدس)، فهل يسافر في قلبه ووجدانه أم يسافر بعقله وفكره أم هو السفر الذي لا بد أن يحق الحق لأصحابه.
فالقدس والقبة مفردتان لمفهوم واحد، يعرف أحدهما بالآخر، إذ يستهل قصيدة (مسافر إلى القدس) بقوله:
" سلام القدس مكتوب
بقبة مسجدي حنة
برؤيته أكون أنا
رأيت النور بالجنة
وما زالت بأمنيتي
جداريات أشعاري
تسافر
فيك يا أقصى
لتلقى من معانيها
إليك الورد والحنة"
فالسفر المكرر في قصائده ليس مجرد رحيل أو طواف، بل هو المقاومة، وليس مجرد الدعوة إلى المقاومة، لكنه يشكل القدوة عندما يبدأ بنفسه، فكلٌ مقاوم في هذا العالم، ولكل من قاوم لأجل فلسطين على مدى السفر والذكرى يقول:
" أنا المشتاق
سأكتب في جدار الكون
للأشهاد عن سفري
وكيف أقاوم الجاني
وكيف أقاوم المحنة"
فكل ما يحمله من شوق يقدمه هدية لنخيل القدس وأشجارها، لفلسطين العروبة، لكل من يزف خبرا عن تحرير القداسة، منتظرا مشهد غروب العدو حتى يأتيه السلام بقوله:
" فمنهم من يبلغني
السلام
ومنهم من يحملني
تراتيل الكلام"
يعد ديوان نصل اليراع للشاعر محمد خالد النبالي نبض من الشوق والحنين والذكرى والحلم والأمل، رغم المسافة التي تفصل كل مشتاق إلى فلسطين عن حلمه وأمله ليصلي ركعتين في القدس، وإن لم يصل إليها صلّ ركعتين في الحلم فيقول:
" صليتها في الحلم حين أتاني
وتلوتها في الشعر حين دعاني
والآن للقدس الشريف مسيرها
حتى تمر بمسجد الرحمن"
فهل تتحقق الرؤية بعد أن تشكلت في وجدان الشاعر وفكره لتصبح خبرا طيبا يحمله بين الأخوة والشهداء، فالشاعر الذي يصدق الرؤية هو ولي الله على الأرض ونبيه وشاعره الوطني الذي يحمل الكلمة كما حملها الأنبياء ويصدق الرؤية كما صدقها الأنبياء يقول الشاعر في قصيدة رؤيا:
" لأَقْـرَأَ فِـي صَـفْـحَـةِ الـوَرْدِ سِفْرًا
بأن السماء اصطفتني وليا
فكان المنام كتابا
جديدا
يخلدني شاعرا
وطنيا"
لقد شكل الشاعر محمد خالد النبالي قصيدته المنثورة حتى شكلت فضاءً لغويا ومعرفيا وأسلوبيا أسس فيه إلى الإنتقال إلى وحدة البيت العمودي وجمال التفعيلة في ديوانه نصل اليراع الذي حقق تجربة جديدة بمفهومه الوطني والفلسطيني والعربي .
حيث السفر والرؤيا من مفرداته التي شكلت بناء الديوان، لكن الأرض والجد مفردتان اشتغل بهما على مساحة الديوان مقدما للعالم دور الشاعر في قضية شعبه ووطنه فلسطين، وربما في كل القضايا الوطنية إذ يقول في قصيدة ( تركتك يا أرض جدي) :
" أنا شاعر وبالشعر
أحيا
وأهدي فلسطين مني
اعتذار
تركتك يا أرض جدي
مليا
برغمي ..بحزني..
بهذا المرار"
فالمتمعن في مفردة (مليا) يجد فيها بعد النظر والتأمل والتفكير للاستقرار على رؤيا الشاعر في تقصير المسافة النفسية والفيزيائية بينه وبين وطنه لأنه مصمم على الرجوع فيقول:
" سأرجع يوما إليك معي
على راحتي طلوع
النهار"
فهذه المفردات من سفر ورؤيا والشعر والوطن والجد ترتبط ارتباطا عضويا في بناء الديوان وصولا إلى قصيدة ( في عزلة الروح) التي يصنف فيها مفردة الحياة والوجود، مفردة المقاومة والصمود، مفردة أن يكون أو لا يكون متسائلا عن تلك العزلة التي ضربت طوقا على قبر وجثمان كل مسافر فيقول:
" في عزلة روح اتساءل أو بعد ضجيج
الروح توالى الصمت ؟!
وكأنني وحدي أسكن قبر الروح بعيد
جنازة نفسي والجثمان بنبض الوقت"
فهل يرضخ المقاوم لتلك العزلة أم يفيق ليعيد تركيب الأشياء حتى تأخذ القضية الفلسطينية مكانها الصحيح، بعيدا عن تلك الأشباح المعاندة التي رضخت للقهر والظلم، لكنه الشاعر النبالي المتجذر في التحدي والعناد يقول:
" ويظل في شبحي غماما
فوق أحجيتي يراه
الصمت"
ويقول مغنيا في قصيدته ( بكل طريقة غنيت) يغني لأجل القصيدة، لأجل الحضور، ويغني لأجل الوطن الذي لا يغيب ولو اختلفت اللغات وتقطعت الأوتار، فإن القصيدة تعلن للحياة وجودها ويقول:
" بكل طريقة غنيت حتى
قالت الأوتار عني
إنني أخبرتها كل اللغات
وإنني ولد مشى في الأرض
يعلن للقصيدة كل
أمثال الحياة"
ديوان نصل اليراع يحوي اثنتين وثلاثين قصيدة توزعت بترتيب يجدد بناء المفردات والمفاهيم، فالسفر والرؤيا والروح ثلاثية من المفردات تجدد المعاني والرمزية والتأويل في ديوان نصل اليراع، فهو سائر وحيدا مثقل الهموم حاملا سلاحه ومعلنا حربه الدامية، ففي قصيدة ( الصبر في مدينة الشيطان) والتي يستهلها بقوله:
" سأظل أمشي في مدينتنا
وحيدا مبتلى
سأظل أحمل ها هنا اثقالا
أسلحتي واعلنها حروبا
دامية"
لكنه حمل السلاح وخاض حروبه عندما أحس أنه سيعيش في الدنيا كعابر سبيل لم يقدم شيء فكلما غلبه احساس الوحدة والخوف يعود ليقوي هذه النفس بقوله:
" كلما فتشت عني لم
أجدني
أين أيناي الذي لم
يستعدني
أنني رحت بعيدا كي
أعيد الذكريات
غير أني لم أجد فيها
كتاب العاشقات"
فكلما تشوهت الملامح وقتلته الآه، ركب بحور الشعر ليجدد نفسه في سفر جديد من مكان إلى آخر، فهو المسافر كالشراع، وهو مفردة السفر ومفهوم الرؤية وتاريخ الجد والوطن والذكريات يحملها وتحمله، فالشاعر المسافر محمد خالد النبالي يقول في قصيدة ( على ريح البحور):
" أسافر في شراع فوق
بحر
على أمواجه انكسر
الشراع
ولي قلب ضعيف
ليس يقوى
على ريح البحور على
الضياع
أسافر ليس من بري لألقى
أحبة ذكرياتي في الوداع"
وفي الختام فإن الديوان متماسك البنية والرؤية، وهو تشكل للشاعر وتجدد في ولادته من خلال المفردات والمفاهيم التي بثها محمد خالد النبالي قصائد ديوانه الجديد( نصل اليراع) الذي ركب فيه حقل التجريب، وارتقى بالقصيدة العمودية والتفعيلة كما ارتقى من قبل في قصيدة النثر، فصار الديوان فضاؤه الذي يبث الآخر آماله وطموحه في استرجاع ما ضاع، وأن يعيد الذكريات إلى حاضرة حياته وجده وبيته والقدس، حتى لا يبقى الشراع تائها بالبحر وحتى يصل سندباد إلى مدينته، إلى بيته وزوجته وأولاده، إلى رائحة الياسمين والوطن، هناك يغني وهناك تتحقق الرؤى التي عاشها بعيدا عن مستقره العاطفي، وطنه الذي لم يغب عنه يوما، بل هو متجدد الولادة في نفسه وروحه ووجدانه.
محمد خالد النبالي شاعر وضع بصمته على القصيدة وتراكيبها، كما شكل ديوانه حسب رؤى المسافر الذي لا بد يوما أن يعود.
فهل عاد الشاعر محمد خالد النبالي .. عليه أن يعود حتى يعود الوطن وعلى الشراع أن يعرف المرفأ في يافا وحيفا وعلى الآذان أن يعرف القدس ويرتل فيها أجمل آياته التي أبدعها وجدد ولادتها ليبقى حيا في قلب الوطن.