لا ندري لمصلحة من تم سحب قانون التنفيذ المعدل و الذي تقدمت به حكومة الدكتور عبدالله النسور قبل عامين لمجلس النواب السادس عشر ، وذلك بعد أن قامت اللجنة القانونية في المجلس السابق وبرئاسة النائب السابق الدكتور مصطفى العماوي بجهود كبيرة في مناقشة التعديلات ،حيث قام الدكتور مصطفى بدعوة قامات مشهود لها بخبراتها القانونية ،من رؤساء محاكم وقضاة تنفيذ عاملين ووزير العدل في حينه الدكتور بسام التلهوني ووزير الدولة لشؤون رئاسة الوزراء في حينه الدكتور أحمد الزيادات ورئيس ديوان التشريع الدكتور نوفان العجارمة ونقيب المحامين وأمين عام وزارة العدل ،هذا بالإضافة لمجموعة من المحامين المتمرسين ،وحتى بعض المواطنين المتضررين من قانون التنفيذ الذي ما زال ساري المفعول ليومنا هذا .
نقول بأن الحكومة قامت بسحب القانون الذي تقدمت به الحكومة السابقة بعد أن تمَّ طرحه تحت القبة وإقرار عدة مواد منه ،ثمَ توقف النقاش ببقية مواده تحت القبة ،بعد أن اعترض عليه وبشدة قلة قليلة من أعضاء مجلس النواب السابق ،وكان ظاهر احتجاجهم هو عدم تمكين البنوك والمؤسسات الإقراضية من تنفيذ سندات مالية بحق المقترضين الذين لم يوفوا بديونهم للبنوك . وهم أرادوا من وراء ذلك تحقيق شعبية مجانية عند المواطنين المدينين لغايات انتخابية ، ولو جاء ذلك على حساب أصحاب الحقوق من الدائنين.
وهنا نقول بأن اعتراض بعض النواب لو اقتصر فقط على الدائنين الكبار مثل البنوك والمؤسسات الإقراضية ،لقلنا بأن الأمر كان يمكن تبريره لكون هذه البنوك لديها كتائب جرارة من المحامين قادرة على تحصيل آخر فلس متبقي لها عند أي مدين مهما كان شكل القانون ،كما أن هذه البنوك لديها القدرة على الانتظار لفترات طويلة لتحصيل أموالها .
ولكن ماذا عن الدائنين الأفراد الذين تحصلت لهم ديون على افراد جراء عمليات تجارية ، وإيجارات عقارات متراكمة ،أو نتيجة عمليات نصب من قبل نصابين ممتهنين ، فالقانون هنا لا يفرق بين دائن كبير وآخر صغير لا يستطيع الانتظار طويلاً لتحصيل دينه ،لأن في ذلك خراب بيت له ، وأبرز مثال نجده هنا هو أن يقوم شخص بشراء شقة عن طريق قرض من أحد البنوك ،ويقوم هذا الشخص بتأجير الشقة بغرض سداد جزء من القرض من إيجارات الشقة ،وهنا وعندما يمتنع المستأجر عن الدفع يقع صاحب الشقة تحت ضغط مطالبة البنك له بتسديد القرض ،وكذلك تحمّل مصاريف رسوم القضاء وأتعاب المحامين بغرض تحصيل حقوقه من المستأجر .
لقد كان الغرض من تعديل حزمة من القوانين القضائية وبرغبة ملكية ،هو لتسريع واختصار زمن التقاضي بحيث تصل الحقوق كاملة لأصحابها ،وكان قانون التنفيذ وخاصة المتعلق بالقضايا الحقوقية منه يقف حجر عثرة للوصول لهذه الغاية ،فالتعديلات التي تقدمت بها حكومة الملقي على هذا القانون بلا شك كانت ذات أهمية ،ولكنها أغفلت عن تعديل أهم مادة بالقانون وهي المادة رقم 22 والتي تعتبر المحفّز الأكبر لمن كانت لديه نوايا مبيته بالاقتراض وعدم الوفاء بتسديد الدين . فهذه المادة تتيح لمثل هؤلاء الاشخاص من الفرار بديونهم وذلك بعمل تسوية لتسديد هذا الدين بعد أن يكونوا قد استغلوا كل فرصة متاحة لهم من قبل القانون من استئنافات واعتراضات على التبليغات وانتقال القضايا المرفوعة ضدهم ومرورها على كافة مستويات المحاكم من بداية واستئناف وتمييز وهذا ما يمنح المدينين مدة لا تقل عن خمس سنوات بالمتوسط قبل أن يلوذوا بالمادة 22 من قانون التنفيذ والتي تسمح لهم بعمل تسوية بحيث يدفعوا ربع قيمة الدين المطلوب منهم بشكل فوري ،وأن يقوموا بتقسيط باقي المبلغ على دفعات شهرية دون أن يكون هناك حد أدنى لهذه الدفعات وبالتالي لن يكون هناك سقف زمني محدد لفترة تسديد الدين ، ففي إحدى القضايا التي نظر بها القانون الأردني كان الزمن اللازم للوفاء بكامل الدين 288 عاماً. فهل هذه هي العدالة المنشودة من القضاء الأردني .
وهنا نتساءل لماذا أقدمت حكومة الدكتور الملقي على تجاهل التعديل على المادة 22 من قانون التنفيذ، والذي تقدمت به حكومة الدكتور عبدالله النسور والذي جاء به بأن يقوم المدين وعند لجوئه الى عمل تسوية إلى دفع نصف المبلغ المدين به ،وتقسيط باقي القيمة خلال مدة لا تتجاوز الثلاث سنوات . ولقد كان الغرض من هذا التعديل هو إيصال رسالة لمن يمتهنون الاستدانة ولا يلتزمون بسداد الدين مفادها ، أن زمن الهروب من السداد قد ولى واصبح لزاماً عليكم السداد في حينه وإلا السجن سيكون مصيركم عندما تعجزون عن دفع نصف قيمة الدين بشكل فوري ، وتسديد باقي الدين خلال فترة ثلاث سنوات وذلك عند لجوئكم لعمل تسوية .
إن عدم تعديل هذه المادة له معنى واحد ، وهو القول للناس وخاصة النصابين منهم ،اذهبوا واستدينوا ولا توفوا بمديونيتكم ، ونحن كحكومة نكفل حمايتكم ونعطيكم الفرصة لتبدأوا بتسديد ديونكم بعد مرور خمس سنوات من التقاضي على الأقل وبالتقسيط المريح جداً ، وليذهب الدائن "المجرم " إلى الجحيم .
أخيراً نقول لكل المعنيين بتطوير القضاء بأن الفرصة ما زالت سانحة لتعديل هذه المادة ، وذلك من خلال مجلس الأعيان الذي أصبح القانون اليوم بعهدته دون أن يتمكن من إقراره خلال الدورة الاستثنائية التي انتهت مدتها ، وهذا من حسن الطالع .