غداً .. التاسع من يناير!!
محمد خروب
08-01-2009 03:57 PM
هل هي الصدفة وحدها، أم الخطط والبرامج والسيناريوهات التي تعد في الغرف واللقاءات السرية ومراكز الابحاث والدراسات، ونتائج الصفقات وتبادل المنافع واقتسام الغنائم، هي التي جعلت التاسع من كانون الثاني (يناير) بما هو استحقاق فلسطيني خلافي وخطير، واليوم الذي تنتهي فيه ولاية الرئيس الفلسطيني محمود عباس، بعد أن أكمل اربع سنوات في موقعه هي المدة القانونية والدستورية لمنصبه، وفقاً لما نص عليه القانون الاساسي الفلسطيني، يتزامن مع استمرار المحرقة التي تقيمها اسرائيل ضد اطفال ونساء ومساجد ومشافي ومحطات توليد الكهرباء في قطاع غزة؟.
ثمة ما يمكن قراءته في هذا الاتجاه، دون استدعاء نظرية المؤامرة التي لا يجب ان تغيب عن مشهدنا الراهن فلسطينياً وعربياً، معطوف عليهما اسرائيلياً واميركياً، بعد ان تمكنت تل ابيب وواشنطن من اقامة جسر ''مكين'' وليس فقط رأس جسر كما تقول التوصيفات الحربية العسكرية مع بعض الانظمة العربية.
لم يـُبْدِ الرئيس عباس نفسه مدعوماً من حركة فتح التي ورث رئاستها، أي اشارة أو رغبة في ترك منصبه بعد انتهاء ولايته، أو رغبة بالتنافس على الموقع ذاته في انتخابات جديدة، بل إن الرجل لم يقم بتحديد موعد للانتخابات الرئاسية الجديدة قبل ثلاثة أشهر من موعد التاسع من يناير، ما يعني نيته في البقاء حتى العام 2010 متمسكاً ''بالفتوى'' التي كان ديوان تفسير القوانين التابع للرئاسة قد أصدرها، معتبراً ان الأولوية هي التمسك بالقانون الاساس الذي ينص على ان تجري الانتخابات الرئاسية والتشريعية في وقت واحد، رغم ان كثيرين من فقهاء القانون الدستوري قالوا ان في ذلك مخالفة صريحة وان الاساس هو انتهاء مدة الرئاسة المحصورة بالسنوات الاربع، ولا قيمة لأي تفسير او فتوى اخرى.
نحن إذاً أمام مواقف سياسية اكثر منها قانونية او دستورية، وبالتأكيد فإن النداء الذي وجهه المجلس الوزاري العربي في القاهرة قبل بدء العدوان الاسرائيلي على غزة، يطالبه بالاستمرار في منصبه رئيساً ''لجميع'' الشعب الفلسطيني، لا يعدو كونه انحيازاً سياسياً اقرب الى ما يوصف بالتدخل في الشؤون الداخلية الفلسطينية، ومحاولة لتغليب جناح فلسطيني على آخر في الصراع المحتدم بين حماس وفتح، أكثر منه انخراطاً عربياً في منع اندلاع حرب اهلية فلسطينية، تكون فيها احداث الرابع عشر من حزيران 2007 التي انتهت بسيطرة حماس على قطاع غزة، مجرد نزهة لأن الخطوة التالية هي وقوع ''الضفة الغربية'' في فخ الصوملة، لأن حماس ستكون قد أُحكمت قبضتها على غزة وبدأت في اتخاذ اجراءات اكثر حزماً ازاء أي تحرك مضاد قد يتخذه انصار فتح (المقموعين أصلاً)، إضافة الى فرض المزيد من التضييق على الحريات الاعلامية والشخصية والرقابة الصارمة على وسائل الاعلام والمظاهرات والاحتجاجات الشعبية..
ولن يغير قرار المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية الذي انتخب محمود عباس رئيساً لدولة فلسطين(...) كثيراً في التداعيات والاحتمالات والامدادات التي كانت ستعقب التاسع من يناير 2009، لو أن العدوان الغاشم لم يقع ولو أن هذا اليوم سيندرج في رزنامة المحرقة، ويكون الرقم (14) على بدء المذبحة التي لا يعرف أحد متى تنتهي، وخصوصاً ان خطاب محمود عباس الذي ''قاد'' وفداً عربياً عرمرمياً من تسعة وزراء خارجية (يخزي العين)، وعاشرهم عمرو موسى الى مجلس الامن، لم يكن قوياً ومعبراً عن حقيقة ما يجري على ارض غزة، وكان خطاباً ركيكاً وضعيفاً وخالياً من الحزم والتصميم والايحاء بأنه سيقدم على خطوة دراماتيكية وغير مسبوقة، مثل التهديد بالاستقالة أو حل السلطة ما لم تتوقف المحرقة وما لم يرفع الحصار عن القطاع..
لكنها عقلية الربح والخسارة، وهي دائماً العقلية الفئوية والحزبية الضيقة، وخصوصاً التحالفات والارتباطات الاقليمية والدولية، التي انخرط فيها غير فصيل وحزب وحركة وجماعة فلسطينية، ما اوصل القضية الفلسطينية الى حالها البائس والخطر الراهن، والتي تقف فيه امام خيار التصفية الحقيقية حيث التقى علناً وبلا خشية او تردد الثلاثي المعروف الاميركي الاسرائيلي وبعض العربي الحليف..
سيمضي التاسع من يناير 2009 كما مضت الايام الدموية السابقة، إلا ان الاستحقاق لن ينزل عن جدول الاعمال، وما ستسفر عنه المحرقة الراهنة من نتائج سياسية، هو الذي سيحدد مسار الاحداث وطبيعة الخطوات اللاحقة، وخصوصاً اذا ما جاء قرار مجلس الامن المتوقع الصدور بمثابة رافعة للسلطة الفلسطينية ورئيسها (الذي ما يزال حتى اللحظة اكثر الخاسرين سياسياً وشخصياً من المحرقة الجارية)، دافعاً حماس الى مربع الهزيمة، عندها سيكون المشهد التالي، مرعباً ودموياً واكثر خطورة، لأن هزيمة كهذه ستكون لها ارتدادات يعلم كثيرون انها اكثر خطورة من الهزيمة المفترضة نفسها..
kharroub@jpf.com.jo.
الراي