احتفلت الهند المستقلة بعيدها السبعين. وثمة ما يدعو إلى الاحتفال: شبه قارة من البشر والثقافات واللغات، حافظت على تماسكها في ظل نظام ديمقراطي، أقل فساداً من العالم الثالث، وأعلى نسبة في التقدم والتطور. ولكن أيضاً ثمة ما يدعو إلى القلق. فالمثل الإنجليزي يقول: عندما يتجاوز المرء السبعين، يحتفل بعيد ميلاده كل يوم.
والدول مثل الأفراد. ورئيس الوزراء ناريندرا مودي، الذي يحكم باسم حزب بهاراتيا، رجل تطرفات تبعث على القلق، مثل حزبه الهندوسي. الرجال المنتفخون بأنفسهم يخيفون. وعندما التقى مودي باراك أوباما، كان يرتدي ثياباً ثمنها - كما قيل - نصف مليون دولار.
سياساته غير مريحة. لا للهند ولا للعالم، فالحزب الذي يتزعمه يحرّض على المسلمين في بلد ذاق قبيل الاستقلال طعم أسوأ المذابح الطائفية. وحتى بعد انفصال باكستان، ظلت العلاقة صعبة بين المسلمين والهندوس. وفي «أكبر دولة ديمقراطية في العالم» يشكو الكثيرون من أن المسلمين يعاملون مواطنين درجة ثانية. وقرار مودي أخيراً بزيارة إسرائيل كان أكثر الخطوات تحدياً في إعلان الانفصال عن جمهورية نهرو.
وداعاً لسياسة عدم الانحياز والحياد الإيجابي، وليعش الخيار الأميركي وصولاً إلى إسرائيل، من دون أي مراعاة للزمن العربي والرفقة الإسلامية الطويلة.
طبعاً، ليس متوقعاً أن تبقى الأمور كما كانت أيام نهرو قبل 50 عاماً. لكن مودي يفتت إرث حزب «المؤتمر» في الداخل والخارج معاً. ويحاول إقامة هند مختلفة في مغامرة قد تعرض للخطر فكرة الأمة الهندية برمتها. ولن يكون ذلك مستحيلاً في مثل هذا العالم الهش. ضمن رحم الهند الدموي، ولدت باكستان، ومن باكستان ولدت بنغلاديش في حرب أخرى. وبُعيد الاستقلال كان الغرب يراهن على أن الهند الموحدة لن تصمد طويلاً. غير أنها صمدت واستمرت ونجحت في التكيف، أولاً مع فكر نهرو وحزب المؤتمر، ومن ثم في مرحلة ما بعده، وبعد الاشتراكية و«سياسة الاكتفاء الذاتي» القائمة على الانغلاق والحذر من الرساميل الخارجية.
ثمة هند قد غابت: هند «الفقير» الذي ينام على فراش من المسامير أربعين يوماً. وهند «المنبوذين». وهند وأد البنات، كما في الجاهلية. وما حققته الهند البديلة في العلم والتقدم والازدهار، يستحق الاحتفال اليومي. لكن الخوف دائماً من سرعة العطب والدفائن القديمة. الغابات الكبرى يشعلها ثقاب صغير. وحقير.
الشرق الاوسط اللندنية