نحو موقف جديد تجاه السلاح المدني
د. فيصل غرايبة
17-08-2017 02:55 AM
رغم كل التحذيرات والنداءات والتوعية المستمرة والتحدث عن اخطار السلاح في المناسبات الاجتماعية، والتي يطلق فيها النار من مختلف المسدسات والبنادق المرخصة وغير المرخصة، والتي تكون بحوزة اصحاب المناسبة أو ذويهم أو مشاركيهم بفرحة الزفاف أو النجاح، ويطلق فيها الرصاص من تلك الأسلحة النارية بدون وعي وبدون روية، فتصيب من تصيب وتلحق الأذى والضرر بالقريب والبعيد، حتى وتصيب صاحب المناسبة نفسه أكان العريس أو العروس او الناجح نفسه بالدراسة الثانوية أو الجامعية، فما هي الا لحظات ويتحول الفرح والسرور الى حزن وأسى، ويتحول التعبير عن الابتهاج والغبطة الى حالات قتل، وان كان غير متعمد وغير مقصود بطبيعة الحال.
كما أنه وحتى الآن لم تفلح الاجراءات الرادعة ولا الخطوات العقابية ولا المناشدات الانسانية ولا المشاهد الحية للقضاء على حياة انسان أو زهق لروح مواطن، لم تفلح تلك التدابير في الحد من الأفعال العفوية والاندفاعات الطائشة التي يصبح من شأنها ونتائجها تكرار المشاهد المؤسفة والمواقف المؤلمة، والتي تقلب الفرح والابتهاج والسرور الى مآتم وأحزان ومعاناة، عندما تفضي الى الموت أو تسبب عاهة دائمة أو علاج طويل المدى وصعب التعامل وباهظ التكاليف، وتسبب في السياق نفسه في توقيف الفاعلين وسجنهم وتغريمهم وتعطلهم عن اعمالهم، وابتعادهم عن أسرهم وتوقف مصدر عيشهم وذهاب فرص استكمالهم لتعليمهم ودراستهم. هذا عدا عن استنفار قوى الأمن العام ووقوفها للردع والمراقبة والتهدئة والمخالفة، كاجراءات احترازية عند ظهور النتائج العامة، وعند خروج مواكب الخريجين، وعند سير مواكب الزفاف، وعند عقد حلقات الدبكة في الحارات والساحات بالمدن والقرى، وكذلك استعدادات قوى الدفاع المدني لمواجهة نتائج متوقعة من مثل تلك المناسبات والتصرفات التي تصدر عن انفعال وقتي ورغبة كامنة في نفوس ذوي العلاقة.
انه كذلك من جهة أخرى اصبح اقتناء السلاح الشخصي من مسدسات وبنادق داخل البيوت والسيارات الخاصة، يحرض انفعالات مقتنيها على استخدامها للتعبير عن الغضب والنقمة والحقد، حتى داخل الأسرة الواحدة وتجاه الآباء والامهات والأبناء والبنات والزوجات والأزواج والأقارب والأصدقاء والجيران، ويحسم النزاع بطريقة خاطئة، ويتحول الحوار والنقاش والحديث الى معركة جائرة ورصاصات طائشة، قد تودي بحياة أقرب الناس أو أعز الناس.
هذا الى جانب تلك الصور الفادحة من الجرائم التي يستخدم فيها السلاح بايدي المدنيين الذي يمارسون مخالفات وجنايات وجرائم يقاومون فيها المطاردات الأمنية أو محاولات القبض عليهم بالجرم المشهود، ومنهم غالبا ما يكونون من اصحاب السوابق.
ألا يقتضينا هذا الأمر التفكير مليا فيه وبعمق والنظر الى خطورته بجدية سواء على مستوى الأفراد أو الأسر أو الجماعات الأخرى التي ننتمي اليها كالعشيرة والجيرة والنقابات والأحزاب والجمعيات والأندية وعلى مستوى السلطات الثلاث التشريعية والقضائية والتنفيذية، لعلنا نخرج جميعا بحل جذري قطعي لهذه الممارسات الغاشمة والأفعال الشنيعة، ولمنع حدوث ما ينجم عنها من متاعب وعاهات وحزن وألم، كأن نعمل على التخفيف التدريجي من حمل المواطنين للسلاح الناري، بدءا من عدم السماح ببيعها واتاحتها للشراء، ووقف منح الترخيص باقتنائها، وعدم تجديد الترخيص لمن سبق أن رخص لهم باقتنائها.
أما اليقظة الأمنية والمباغتة السريعة والتدخل المباشر في معالجة الاختراقات والتجاوزات من قبل الأجهزة المختصة، والحزم في مواجهة أمثالها، فكلها أركان متكاملة ومتناسقة ومتينة، تقوم عليها منظومة الأمن والأمان في بلادنا، التي يسود فيها التجاوب والتعاون والتكافل بين مختلف الأطراف الرسمية منها والأهلية على حد سواء. وهي لا تترك للأفراد المدنيين الآمنين المطمئنين لتلك التدابير، مبررا لاستخدام السلاح بصيغة الدفاع عن النفس في اي حال من الأحوال، كما أن التعبير عن الفرح او المجاملة بين الأقارب والأصدقاء والجيران تتوافر له الكثير من وسائل والأدوات غير اطلاق الرصاص واستخدام السلاح الناري.
وليتعظ الجميع وليأخذوا العبرة وليستفيدوا من التجربة، ليعم الفرح ويسود الوئام وينتشر الابتسام، مقابل ان يتقلص الحزن ويختصر الجفاء ويختفي البكاء بين ابناء المجتمع الأردني الواحد، هذا المجتمع المتماسك المتواد المتراحم.
dfaisal77@hotmail.com
الرأي