الانتخابات البلدية واللامركزية
د. عاكف الزعبي
16-08-2017 06:17 PM
نقف الى جانب بلدنا كما يستحق ان نقف معه في صموده امام التحديات صغرت او كبرت ، وفي امنه واستقراره واصراره على الخروج سالماً معافى من لظى النيران التي تقف عند حدوده دون ان تجرؤ على تخطيها منذ سبع سنوات . واليوم يعبر الاردن عن ارادته التي لا تلين امام المخاطر وطموحه الدائم للتقدم وتجاوز آثار الازمات وهو يسير مجدداً الى الانتخابات لانتخاب المجالس البلديه ومجالس المحافظات معبراً للعالم عن تمرده على كل الازمات واستعداده لاستئناف مسيرة التنميه والبناء . ويقتضي الواجب في وقوفنا مع كل انجاز اردني ان ننظر اليه ايضاً بعين الحرص الناقد تماماً مثلما ننظر اليه بعين الرضا والتأييد حتى يثمر زرعنا وطناً اردنياً عصياً على التحديات .
البلديات تمثل الحكم المحلي والمشاركه المحليه الأضيق . وبعد مضي عقود طويله على تجربتها لم تبلغ بعد غاياتها الكفيله بدعم الديمقراطيه والمشاركه الشعبيه في صناعة القرار التنموي والسياسي . لكنها لا زالت صامده وان لم تغادر البعد العشائري وكسبت حتى الان تعود الناس على الانتخابات وقبول نتائجها دون اعتراض عنيف او حتى احتجاجات سلمية الا ما ندر . وفي البحث عن عدم تقدمها لغاياتها على نحو مؤثر نجد لذلك سببين رئيسيين . الاول التعثر في امتلاك صلاحياتها المحدده في قانون البلديات واستئثار المركز بها بوزارة الشؤون البلديه ، وغياب الاحزاب الفاعله عن العمل العام وبالتالي عن دورها على المستوى البلدي.
اللامركزيه تجربة جديده تهدف ايضاً الى تعزيز المشاركه الشعبيه في صناعة القرار السياسي والتنموي على مستوى المحافظه واللواء . وبحسب القانون سوف تكون مجالس المحافظات المنتخبه ممثلاً لاراء الناس واحتياجاتهم تنقلها الى المركز وتشارك المركز في صناعة السياسات التنمويه بالرأي والتخطيط على مستوى المحافظه واللواء وبصورة يعتد بها ، والاستعداد التدريجي لنقل الصلاحيات التنفيذيه في المستقبل لتصبح مجالس المحافظات شريكاً عملياً للحكومه المركزيه ومعيناً لها في كافة خطوات صناعة القرار . على ان ثمة تحديين رئيسيين بواجهات تجربة اللامركزيه . الاول تخلي الحكومه المركزيه عن استئثارها بصلاحيات
مجالس المحافظات والتردد في نقلها اليها ، والثاني غياب الاحزاب الفاعله عن العمل العام مما سيبقى اختيارات الناخبين محصورة في الابعاد المناطقيه والجهويه والعشائريه .
التجربه النيابيه التي ظلت تتقطع لاسباب ذاتيه واخرى موضوعيه تمضي اليوم في مرحلة من الاستقرار منذ ان استؤنفت عام 1989 . لكن نتائجها منذ ذلك العام وحتى اليوم ظلت متواضعه على المستويين التشريعي والرقابي لسبب رئيسي هو غياب الاحزاب الفاعله في الحياة السياسيه مما ترك النواب الذين ينبغي ان يكونوا نواباً للوطن اسرى للمعادلات الجهويه والمناطقيه والعشائريه . وقد أذن ذلك بعلاقة غير صحيه بين مجلس النواب والحكومه تقوم على المصالح الشخصيه والفئويه للنواب على حساب الدور التشريعي والرقابي لهم . وهذا ما شتت فكر الحكومات واضعف اداءها بدل ان يكون المجلس محسناً لادائها ، ثم نشأ بعد ذلك صراع للتغول بين الحكومات ومجالس النواب .
التحديان الرئيسيان اللذان كشفت عنهما تجربة الحياة السياسيه والتنمويه في الاردن حتى اليوم ، واللذان سيقفان للاسف في وجه هذه التجربه مستقبلاً هما غياب الاحزاب الفاعله ، والعقليه المركزيه للحكومه باستئثارها في صلاحيات صناعة القرار وصعوبة تخليها عن ذلك . وان غياب الاحزاب هو الاشد اثراً والاجدر بالاهتمام ولابد للاردن ان يعبر الى التجربة الحزبيه بكل ارث نجاحاته ليحدث فرقاً يستحقه ويؤسس لمستقبل زاهر ومتجدد .