في الثامن عشر من آب في العام الماضي، فاز النشمي أحمد أبو غوش بميدالية ذهبية في مسابقة التايكواندو ضمن أولمبياد ريو دي جانيرو. وكنا قد طبلنا وزمرنا ودبكنا في طول البلاد وعرضها لهذا الإنجاز التاريخي. وجاء الأردن حينها رابعا وخمسين في سلم ترتيب الدول المشاركة في ذاك الأولمبياد بهذه الميدالية الذهبية اليتيمة.
لقد تأخرت عامدا متعمدا في كتابة هذا المقال لأنني لا أريد لهذا الفوز أن يكون مجرد ذكرى قد يطوي النسيان صفحتها، بل أريد له أن يكون عبرة لخمسة من حملة شهادة الدكتوراه في تخصصات مختلفة، ولثلاثة مهندسين، ولعميد، ولنجمة رياضية، ولستة آخرين، يشكلون كلهم معا مجلس إدارة اللجنة الأولمبية الأردنية.
هذا الفوز قادني إلى قراءة سريعة لتاريخ الرياضة الأردنية؛ فتبين لي أن نشامى ونشميات التايكواندو كانوا على مدى ثلاثة عقود قد رفعوا علم الأردن في مختلف المحافل الرياضية أكثر مما فعل أي من لاعبي ولاعبات أية رياضة أردنية أخرى.
والسؤال الذي تستحضره نتيجة هذه القراءة العابرة هو: لماذا لا تضع اللجنة الأولمبية استراتيجية شاملة لهذه اللعبة تهدف بها إلى الفوز بأكبر عدد ممكن من الميداليات المخصصة لهذه الرياضة في الدورات الأولمبية المقبلة؟ خاصة إذا علمنا أن نصيب التايكواندو من الميداليات في الدورة الأخيرة كان إثنين وثلاثين ميدالية ذهبية وفضية وبرونزية لمختلف الأوزان بشقيها الرجالي والنسائي.
ولعلني لا أكون مخطئا إذا اقترحت أن تخصص ميزانية حجمها يعادل نصف لا بل ربع الميزانية المخصصة للعبة كرة القدم من أجل وضع برنامج متكامل للتايكواندو يبدأ من البحث عن مواهب هذه الرياضة في الحارات والزواريب والمدارس والمراكز الرياضية، ومن ثم صقل هذه المواهب رياضيا وبدنيا وذهنيا ونفسيا من خلال معسكرات داخلية وخارجية مكثفة، لتجرى بعد ذلك تصفيات نهائية لهم جميعا لفرز النخبة منهم الذين يستحقون تمثيلي وتمثيلك عزيزي النشمي في أولمبياد طوكيو المقبل، لعل وعسى نحظى بأحد المراكز العشرين الأولى على سلم الترتيب الأولمبي! خاصة إذا علمنا أن النشامى لو كانوا –وأعوذ بالله من كلمة لو-قد فازوا بأربع ميداليات ذهبية في هذه اللعبة في ريو دي جانيرو لكان الأردن من بين أول عشرين دولة على سلم الترتيب الأولمبي!
هذا من جهة، من جهة أخرى، لكل رياضة "سحرتها" المختصون بها؛ فكرة القدم سحرتها البرازيليون، وكرة السلة سحرتها الأميركيون، والشطرنج سحرتها الروس، وقس على ذلك الكثير من الأمثلة مما لا تتسع لها هذه السطور. ولعلني لا أغالي إذا قلت أن النشامى بالإمكان أن يكونوا سحرة التايكواندو بلا منازع أو منافس.
هذا السحر ما اختص به البرازيليون في كرة القدم -مثلا لا حصرا-عبثا بل يعود ذلك باعتقادي الشخصي إلى فرضية أفترضها جدلا لا يقينا مفادها أن للجينات دور أساسي ورئيسي في ممارسة هذا السحر، وما أدرانا؟
لربما نقرأ عاجلا أم آجلا أن دراسة علمية قامت بها جامعة ما خرجت بنتيجة مفادها أن سبب تفوق الأميركيين في كرة السلة -مثلا لا حصرا- قد يعود بشكل ما أو آخر إلى جينات موجودة لديهم. وقد ينطبق الأمر عينه فرضيا لا واقعيا على النشامى في التايكواندو. وما أدرانا؟
لا أقترح للتايكواندو ربع ميزانية كرة القدم بل عشرها فقط وأراهن بكل ثقة ويقين على نشامى ونشميات التايكواندو أنهم بسحرهم الفتان سيجبرون حسناوات الساموراي على عزف النشيد الملكي أربع مرات على الأقل في جزر اليابان!