لأننا ندرس في المدارس الحكومية ببلاش، كان الطالب إذا عاد الى المنزل وفي رأسه سبعة غرز بسبب أن المعلم كان يستخدم في ذلك الوقت عصا الطورية لعقاب الطلاب، كان الاب يقول: ما بلتام فيك، ولا يراجع المعلم بل يشدّ على يده ويطلب منه مزيدا من الغرز، بينما طلاب المدارس الخاصة إذا كشر المعلم بوجه الطالب كان الأب يحضر غاضبا ويتشاجر مع المعلم على تكشيرته لأنه دافع لهم مصاري!
حين يذهب المريض الى المستشفى الحكومي يعاني من مغص شديد وينصحه الطبيب بشرب الميرمية، كان المريض يفرح بهذه الوصفة المجانية ويشكر الطبيب، وبعد أن ينتقل المريض الى الرفيق الأعلى بعد ساعات بسبب التشخيص الخاطئ لأن سبب المغص هو انفراط المرارة وانتشار السموم بالجسم، وبحاجة الى تدخل جراحي فوري لا شرب الميرمية، كنّا نؤمن بالقضاء والقدر ولا نراجع الطبيب أو نوجه له اللوم لأن العلاج كان ببلاش، بينما حين تذهب إلى طيبب خاص وأنت تعاني فقط من الرشح، كنّا لا نغادر العيادة إلا بعد أن يفحص جميع أعضاء الجسم، ومن ثم نطلب منه قياس الضغط والسكر وقوة الدم، ولا نغادر السرير إلا بعد أن يرى الطبيب ويتفقد بأم عينيه حتى المناطق التي ليس لها علاقة بالرشح، فأنت هنا تدفع له أجرا ويجب أن يتحمل بشاعة المشهد!
حين تطلب عروسا ويكرمك أهلها بمهر رمزي أو شبه مجاني، تخجل بعد الزواج من أن تطلب منها ولو كاسة شاي، بينما من دفّعتك ما وراءك وما قدامك، لا يحلو لك أن تشتهي المقلوبة إلا بعد منتصف الليل، فهذه يجب أن لا تنام حتى تحلل مهرها!
وزير المالية يقول: إنّ صندوق "النقد الدولي" وواشنطن لطالما انتقدا النظام الضريبي في الأردن بحجة أنه "لا يجوز أن يكون قانون ضريبة الدخل مصمم لـ3 % من الأفراد الأردنيين"، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة ترى أنّ المواطن الأميركي الذي دخله 40 ألف دولار سنويا يدفع ضريبة دخل، جزء منها يتم التبرع به للأردن من خلال المساعدات، بينما الأردني الذي دخله 40 ألف دولار سنويا "لا يدفع ضريبة".
جميل جدا، هل يعرف معالي الوزير معنى أن نتحول الى شعب دافع ضرائب مثل الشعب الاميركي قبل أن يقدم على إقرار قانون الضريبة الجديد؟!
معنى ذلك أنه لن يكون من حق معاليك أن تركب السيارة التي تريد، وربما من حقي أن أطلب سيارتك الحكومية الفارهة لأزينها سيارة عروس لابن عمي فهي من ضرائبي. كما لا يسمح بصرف أي سلفة ضيافة لأي مسؤول حتى لو كانت الضيافة فلافل، فالفلافل أصبح من جيبي.. وسأحاسب وزير الأشغال إذا وجدت حفرة في الشارع فأنا دافع ضرائب ومن حقي شارع بلا حفر، ولن أرحم وزير الصحة إذا راجعت المستشفى ولم توفر لي كل الأدوية والفحوصات فأنا هنا بأموالي، ولن أسامح وزير التربية أن تعطل جهاز التكييف في غرفة الصف لأنه على حسابي، حتى وزير الثقافة إذا لم ينمِّ ثقافتي سأطلب أن يخصم من راتبه لأنه من ضرائبي!!
وداعا لتعيين المحاسيب، وداعا للتيسلا، وداعا للسفر، وداعا للمياومات، وداعا للترهل، وداعا لسوء الخدمات، وداعا للفشخرة، فأنا من سيصرف عليكم، لذلك من حقي محاسبتكم، هذه مفاهيم الشعوب التي تدفع ضرائب.. قبل أن تندم معاليك!الغد