روى الإمام مسلم في صحيحه: عن جندب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدث «أن رجلا قال: والله لا يغفر الله لفلان، وأن الله تعالى قال: من ذا الذي يتألى علي أن لا أغفر لفلان فإني قد غفرت لفلان وأحبطت عملك», وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كان رجلان في بني إسرائيل متواخيين أحدهما يذنب والآخر مجتهد في العبادة، فكان لا يزال المجتهد يرى الآخر على الذنب فيقول: أقصر، فوجده يوماً على الذنب فقال: له أقصر فقال: خلني وربي، أبعثت علي رقيباً؟ فقال: والله لا يغفر الله لك أو لا يدخلك الله الجنة، فقبضت أرواحهما فاجتمعا عند رب العالمين فقال لهذا المجتهد: كنت بي عالما أو كنت على ما في يدي قادراً، وقال للمذنب: اذهب فادخل الجنة برحمتي، وقال للآخر: اذهبوا به إلى النار» قال أبو هريرة (والذي نفسي بيده لتكلم بكلمة أو بقت دنياه وآخرته).
من ينظر في المشهد عندنا, يرى تجاوزات عدة يمارسها البعض بلا عقل ولا روية, بل من منطلقات لا تستحق, فنرى بعضهم يكفر أشخاصاً بيننا بسبب معصية يراها هو كبيرة من الكبائر, وليته يكتفي برأيه, بل يؤجج الناس عليه, ويشن عليه الحروب تلو الأخرى, وبدلا من أن يدعوه بالحسنى ويترفق به, ويمتدح ما فيه من خير، نجده يتصيد له الأخطاء حتى لو كانت من غير قصد أو أنها فهمت فهماً لم يرمي إليه صاحبها.
أصبح مجتمعنا في حكمه على الآخرين ينحو لمنعطف خطير, بحيث يجعل أناس يتولون توزيع صكوك الصلاح والغفران وكأنهم أوصياء الله في الأرض، بل وصل يبعضهم أن يؤلب عليه السلطة الدينية والتشريعية لتصدر حكما بالردة أحياناً, ويرى في فعله هذا انتصار له وشجاعة يصفق له عليها.
وبدلا من أن نأخذ بيد المخطئ ونناقشه بعقل واتزان ونسمع له ويستمع لنا, ونخرج بعدها بكلمة سواء بيننا وبينه تهدف إلى إصلاح النفس والحفاظ على ثبات المجتمع واتزانه.
ما نقرأه بعد وفاة أحد, شيء يندى له الجبين, إنسان انتهى عمله في الدنيا, وذهب لرب رحيم, فلماذا نتطاول على حرمة الموت ونبدأ في فتح سجلات قديمة, ونفتش عن أخطاء مختلف عليها ونشن عليه حرباً, بل وندعو الآخرين أن لا يترحموا عليه ولا يصلوا عليه, بل وصل الأمر من بعضهم أنه يؤكد أنه خالد مخلد في النار إما بسبب ديني أو طائفي أو مذهبي، وهذا تدخل منه في حكم الله لا يجوز كما حدث بذلك رسولنا عليه السلام، نحن لا نعرف علاقة الإنسان بربه, وليس لنا إلا الظاهر, أما السرائر والنوايا فتلك بيد العليم القدير.
مواقع التواصل أصبحت مواقع تناحر, وأصبحت مثار فتن لا حد لها, لا رحمة لميت ولا كرامة لإنسان, وما يزعج في الأمر أنه بعد أن يكبر الأمر وتكبر الفتنة, يخرج من تسبب فيها وأجج لها باعتذار سخيف لا يسمن ولا يغني من جوع, وليت اعتذاره جاء بقناعة, ولكنه جاء خوفاً من عقوبة دنيوية, وما علم ما ينتظره من عقوبة أخروية إن لم يلحق نفسه ويتراجع عن رأيه المغلوط.
ما يحدث من سخرية وتهكم على حرمة الموت يجعلنا نخاف كثيرا..!
فهل موت زوجة أو أولاد, نجعله فرصة للتشفي من أحدهم, ونعلنها أن ما أصابه بسبب معصيته وخروجه عن النص, هل من العقل أن يفكر أحدهم هكذا, ويملي على الله قدره ويلبسه لباساً لا يرضى به أحد والله هو العدل الحكم..
الكل فرح بصدور قرارات من النيابة العامة عندنا بتتبع ومحاسبة وإيقاف كل من يتطاول أو يسيء لشخصيات من غير دليل واثبات, وللأسف البعض لا يردعه إلا مثل هذه القرارات, وكما جاء في الأثر عن عمر بن الخطاب «إن الله يزع بالسلطان مالا يزع بالقرآن»، لابد لنا من وقفة صارمة مع مثل هذه التغريدات وعدم السماح بانتشارها أو منحها ما يجعلها في الصف الأول, بل ندعها هي وصاحبها ونستمر في حياتنا وكلنا نحب الخير لبعض دنيا وآخرة.
الحياة اللندنية