قبل نصف قرن وبعد ان اصبح التعليم مجانيا بفضل طه حسين الذي قال ان حق الناس في التعليم كحقهم في الماء والهواء كانت الاسرة التي لا ترسل ابنها الى المدرسة تدفع غرامة لكن العرب الذين لم يتقدموا في هذا الزمن الا في العمر اصبحوا يدفعون ثمن الماء والهواء، وهذا ما لم يخطر ببال عميد الادب العربي الذي شكر الله ذات يوم على كونه اعمى كي لا يرى بعض الوجوه ممن طالبوا بمحاكمته واعدامه لأنه تجرأ على التفكير والاجتهاد !
وهناك اقطار عربية منها العراق قطعت شوطا كبيرا في محو الامية، وكانت قاب مدرستين او ادنى من وداع آخر اميّ ! لكن ما جرى بعد ذلك، يعلمه الجميع وان كانوا يجهلون اسبابه، فهي ليست ما يتداوله الاعلام الداجن واللاحم والمسكوت عنه في عالمنا العربي اضعاف مساحة هذا العالم !
ان المفارقات في حياتنا لا حصر لها ، لكن هناك واحدة تدرج في العجائب، وهي ان التقدم في العلم وتزايد عدد الجامعات ادى الى تراجع الثقافة، فالامية الان تتطلب تعريفا غير ذلك التعريف التقليدي، لأنها متعددة الابعاد، فهناك امية سياسية وامية تربوية اضافة الى الامية المعرفية !
وقد يكون اهم اسهام للعرب في هذا العصر هو ما استحقوه من تكريم على براءة اختراع غير مسبوقة، وهي انتاج اسطورة مضادة للاسطورة الاغريقية التي تتحدث عن ميداس الذي كان يلامس التراب فيحوله الى ذهب، ولدينا الان ميداس يلامس الماس فيحوله الى فحم ويلامس الذهب فيحوله الى رمل .
انها كيمياء قومية فريدة تتحول فيها وفي بوتقتها النعمة الى نقمة والفائض الى مديونية، والكثرة الى قلة والامتياز الجغرافي الى عقب آخيل !
لقد تعاملنا مع العلم كوسيلة وليس كغاية وحولناه الى نمط انتاج لهذا تتفاقم الامية كلما تعاظم التعليم !!
الدستور