سبقت الكويت دول الخليج إلى الاستقلال. ومع الاستقلال قامت نهضة متعددة الوجوه في الصحافة والمسرح والفنون. وأصبحت الكويت للخليج ما كانته مصر للعالم العربي في أشكال كثيرة.
واندفع الكويتيون يطورون الحركة الفنية، متمتعين بحرية واسعة ومتزنة الإيقاع. وفجأة، اخترق المشهد برمته نجم ظل يتصاعد دون تعثر، إلى أن حانت ساعة الغياب في لندن.
قدِّر لعبد الحسين عبد الرضا أن يتجاوز المسرح الخليجي إلى المسرح العربي عندما وضع مسرحيته الساخرة «باي باي لندن». وهي مفاكهة مع الخليجيين الذين اكتسحوا المدينة مرة واحدة بعد حرب لبنان، وحملوا إليها عاداتهم ولهجاتهم والرز البسمطي.
وقد أحزننا غياب أبي عدنان، لكنني أعتقد أن الناس تلقّت نبأه بابتسامة. فقد زرع في معجبيه ضحكة من الصعب اقتلاعها أو استبدالها. وكان حضوره في الحياة مثل سحره على المسرح، مرّاً لحظة، ومرحاً لحظة، وذكياً على الدوام.
ومثل كبار المبدعين صقل موهبته دون تعب. واستفاد ببراعة من مدارس الكوميديا في مصر ولبنان. وكان واضحاً في بداياته مدى تأثره بالكوميدي والملحن فيلمون وهبه، الذي كان يكفي أن يضحك حتى يجرد الناس من وقارها. عبد الحسين كان من هذا النوع الذي لا يترك لك الخيار: شخصيته مركَّبة ومكوّنة من جميع أدوات الأسر والسحر. وسواء وقف على المسرح وحيداً أو محاطاً، كان لونه هو الطاغي.
لقب الرواد يعطى للأوائل. وعبد الحسين كان من الأكثر بروزاً في جيل من المهرة ضم محمد السنعوسي في الإخراج، وشادي الخليج في الغناء، وخالد الصديّق في السينما، وسواهم. ويلحظ في الكويت أن الدولة والمجتمع معاً رعيا الحركة الفنية بكل حماس. وكوزير للإعلام أسس الشيخ صباح الأحمد أول مجلة «رسمية» انتشرت في أنحاء العالم العربي، هي «العربي»، التي أدى نجاحها إلى أن تشتري لها الدولة مطبعة خاصة تمكن من طباعة آلاف النسخ.
قطعت صدمة الغزو المشين مسيرة نهضوية كبرى. وأحد الذين حاربوا مقت الاحتلال كان عبد الحسين عبد الرضا، في شجاعة وقدرة، وأحياناً في سخرية ضاحكة من المحتل. وخارج المسرح كان مثقفاً ومسيساً وقارئاً مدمناً. وكان محضره مؤنساً وغنياً وخالياً من الادعاء.
وقد أنِستْ به العموم. ومثل الرواد، يترك الكرسي خالياً.
الشرق الأوسط اللندنية