اللافت للانتباه، ان اغلب التعليقات السياسية بخصوص أداء الحكومات المتتالية، يتمحور حول شخص الرئيس وإذا ما كان مرغوبا من الشارع، او غير مرغوب، مع الإشارات حول أداء الرئيس وحكومته، في سياقات التقييم العادل، او حتى الهجوم الشخصي في حالات كثيرة ؟.
شخصية أي رئيس ورؤيته وطبيعة الطاقم الذي يعمل معه، عوامل تلعب دورا في نجاح الحكومة، اية حكومة، او فشلها، ولكن هذا عنصر من عناصر كثيرة، تقرر اذا ما كانت المشكلة، تتعلق بأي رئيس موجود، وطاقمه، ام ان المشكلة اكبر من هؤلاء ؟.
العنصر الذي يتوجب الا يغيب عن النقاشات، يتعلق بسكة الحديد، التي يجدها كل رئيس حكومة جديد في طريقة، وليس بامكانه لاعتبارات كثيرة، الخروج عنها، وأبرز هذه الاعتبارات ما يتعلق بطبيعة البرنامج الاقتصادي الذي عليه ان ينفذه، هو او غيره، أيا كان، إضافة الى تأثر القرار الحكومي، بجملة عوامل أخرى، ومؤسسات ثانية، بحيث لا يكون القرار الحكومي هنا، كاملا، بل تتشارك فيه بضع جهات، دون اعلان.
هذا يعني ان حصة أي حكومة موجودة من النقد، يجب ان تكون محدودة، وليست كبيرة جدا، والسبب في ذلك، ان تغيير أي حكومة ورئيسها، بناء على معايير الرأي العام، وهل يحبه الناس او يكرهونه، امر لن يغير من الواقع شيئا، ولدينا ادلة كثيرة، على ان كل حكوماتنا التي استقالت، جاء بعدها رؤساء واصلوا البرامج ذاتها، والسياسات، ولم يتغير أي شيء، فالقصة في المحصلة ليست شخصية، وقد اشرت الى نظرية سكة الحديد التي تنتظر قطار أي حكومة جديدة.
لكن هذا في المحصلة، لا يعفي أي حكومة من مسؤولياتها، اذ ان الاستسلام، لقواعد الواقع، امر يعني اننا نسير نحو الأصعب، خصوصا، مع ما نراه من الحكومات المتعاقبة، من سياسات لا تميل الى المبادرة نهائيا، ولا التفكير خارج الصندوق، ولا مساعي لحماية القطاع الخاص، او حتى منع انهيار القطاعات الموجودة، وهذه ملفات حساسة، يضاف اليها ان الحكومات، باتت إدارية وليست سياسية، وهذا يعني ان مهمتها باتت تسيير الاعمال، وتأمين الرواتب، وليس البحث عن حلول جذرية، ومحاولة ترميم البنية الداخلية.
المؤسف هنا، ان الحكومات تتذرع بالوضع الإقليمي، واحاطة الأردن بالحروب، وان لا مال في الخزينة، وان القروض والديون انهكت العصب العام، وان لا قدرة على تحسين أي شيء دون وجود هذا المال، وهذه الذرائع، هي التي تؤدي فعليا الى سخط الناس، لان الناس يعرفون ان الحكومات مقيدة، ببرامج اقتصادية داخلية ودولية، لكن يفترضون منها، ان تأتي بشيء جديد، غير جباية المال، وليس ادل ذلك، من التساؤلات، حول ترك الحكومات لقطاعات كثيرة، لتتراجع، مثل التعليم والصحة والنقل، وغيرها، فيما مداخلة الحكومات في هذه القطاعات، كفيلة بتحسينها حتى في ظل الموارد الموجودة، لكن الحكومات لا تفعل؟!.
خلاصة الكلام، ان الحكومات اليوم، باتت مقيدة، ولا فرق بين حكومة وأخرى، وسواء بقيت الحكومة، أي حكومة، او رحلت من موقعها، فلا شيء جديدا يحدث، وهذا يقول للناس في المحصلة، ان انتظار التغيير على يد رئيس جديد، او حكومة جديدة، مجرد خيال خصب، خصوصا، ان الوصفة الاصح، لتغيير واقع البلد، تتعلق بإبداع الحكومات لحلول تنعش الداخل، وليس بمجرد تغيير الأشخاص، وهذا الإنعاش، لا يمكن ان يتم دون توافق مع مؤسسات أخرى، وبتدخل جهات اعلى، من اجل تغيير آلية عمل الحكومات، وطريقة ادارتها لملفاتها.
نحن هنا، لا ندافع عن أي حكومة، لكن نقول، انه لم يعد مهما، ان تأتي حكومة، وان ترحل حكومة، وان نحب فلانا، وان نكره علانا، فالمهم السؤال عن البرنامج، وماهي طبيعته، ومن هم الأشخاص الذين لديهم القدرة على تنفيذه، وفك كل العقد، بدلا من الاستسلام، لنظرية القطار وسكة الحديد، فمشكلتنا اذاً ليست مع الحكومات وتغييرها، بل ترتبط بالتنويم الذي تتعرض له كل الحكومات، بعد بدء اعمالها، وبحيث تتساوى في المحصلة.الدستور