قبل سنة من الآن كان تنظيم داعش الارهابي يسرح ويمرح ما بين الموصل والرقة امتداداً الى دير الزور وتدمر وصولاً الى الحدود السورية اللبنانية والتركية والاردنية. وكان الكل يدعي انه يحارب داعش وكان الكل يدعم داعش. وقبل سنة من الآن كان تنظيم النصرة ينتشر في كل انحاء سورية من غير ان يكون له دولة ولكنه كان يجاور تنظيمات المعارضة السورية التي يصفونها بأنها معتدلة والذي كان هذا التنظيم يتآلف معها احياناً ويقاتلها احياناً أخرى، والذي وبالرغم من تصنيفه كمنظمه ارهابية دولياً الا انه لم يكن يجري محاربته من اي قوة بشكل فعلي بحجة قرب مواقعه من مواقع المعارضة المعتدلة وتداخلهما. وكان ايضاً يحصل على دعم من قوى دوليه خارجيه متعددة.
ومنذ سنة من الأن كانت المعارضة السورية تسيطر على قسم كبير من الاراضي السورية وكان النظام لا يكاد يسيطر على ربع مساحة سورية.
ومنذ سنة من الآن كان يبدو ان النظام في سورية قد أصبح متهالكاً وعلى وشك السقوط لولا ابر المورفين التي كانت تحقنه بها القوات الروسية والاحزاب والتنظيمات الشيعية الايرانية والعراقية واللبنانية.
وبعد مرور هذه السنة ماذا حصل وكيف اصبح وضع هذه القوى؟
داعش تكاد ان تهزم، النصرة حشرت في ادلب. تنظيمات المعارضة المعتدلة فقدت غالبية الاراضي التي كانت تسيطر عليها. عادت علامات الحياة للنظام السوري ولرئيسه بشار الاسد وأصبح الحديث عن دور له في مستقبل سورية مقبولاً بل أصبح متطلباً ضرورياً.
كيف حصل ذلك ولماذا ؟
للتذكير فأنه قبل سنه من الآن قامت تركيا بتطبيع علاقاتها مع دوله الصهاينة بعد حاله الصراع الاعلامي بينهما لمده ست سنوات ، كما قامت في وقت متزامن بتطبيع علاقاتها مع روسيا بعد ان كادت تصل الى حد الاشتباك المسلح لمدة ثمانية اشهر بعد اسقاطها للطائرة الروسية . كما فتحت تركيا خطاً مباشراً بينها وبين إيران بالرغم من صراعهما المرير على زعامة العالم الاسلامي. وشكل الثلاثي الروسي والايراني والتركي والّذي كان كل منهم على نقيض من الآخر ثلاثياً يسعى لإحلال السلام في سورية ووضعوا انفسهم ضامنين لهذا السلام .
ولقد كان لهذا الانقلاب في الموقف التركي تأثيره على جميع الاحداث في سورية بعد ذلك .
فقد ادرك النظام في تركيا بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة وتخلي الغرب عنه او على الاقل عدم دعمه وقيام الولايات المتحدة الأمريكية بدعم اكراد سوريا وقوات سورية الديمقراطية المشكلة بأغلبيتها منهم ان هناك ما هو اخطر من نظام بشار الاسد عليها وان القضاء على نظامه لم يعد اهم اولوياتها بل اصبح همها ان يكون لها دوراً في ترتيب ما سيحدث في سورية من حيث تحقيق مصالحها والتصدي لأي محاوله لإيجاد كيان كردي في خاصرتها الجنوبية .
ومن المعلوم ان تركيا كانت من اكبر الداعمين والمناصرين لكل تنظيمات المعارضة السورية وطريقاً لإمدادها بالرجال والسلاح والتموين . كما ان الدول الأخرى والتي تدعم بعض تنظيمات المعارضة السورية كانت تقوم بإيصال هذا الدعم عن طريق تركيا كون الاردن كان قد أعلن منذ البداية رفضه لهذا الدور، وكون العراق وما يجري فيه لا يجعل منه طريقاً للمعارضة ولكن طريقاً لدعم النظام.
وحتى يصبح في امكان تركيا ان تغير دورها في سورية فقد كان لا بد من ان تغير علاقاتها وتحالفاتها على الارض فقد اعلنت انضمامها للتحالف الدولي ضد الارهاب في سورية واغلقت حدودها في وجه المساعدات التي كانت تنهمر على تنظيمات المعارضة من اراضيها الا بمقدار ما يخدم مصالحها . ولهذا فقد اصبحت تحدث تغيرات على الارض فقد سقطت حلب الشرقية بيد النظام بعد سنين من سيطرة المعارضة عليها بعد اتفاق برعاية الدول الثلاث الضامنة بتأمين خروج آمن لقوات المعارضة وعائلاتهم وكان خيار هذه القوات في اغلبه الذهاب الى ادلب ومن بينهم عدد كبير من تنظيم النصرة.
ثم توالت حالات وقف إطلاق النار بمناطق مختلفة من سورية وانسحاب قوات المعارضة الى ادلب وهذا ما حصل في مناطق من ريف حلب وحي الوعر في حمص ومحيط حمص ومن حي القلمون ومن بيت سحم ومن معبر نصيب. ثم في ضواحي دمشق وغوطتها الغربية وامتدادا الى الزبداني وغيرها الكثير من المناطق والتي انسحب منها مقاتلو المعارضة والذين اغلبهم من جبهة النصرة الى ادلب ووقعت هذه المناطق تحت سيطرة النظام.
ومن المتغيرات في الموقف التركي في السنه الأخيرة بالشأن السوري هو تدخلها العسكري المباشر فيها ليس بهدف اسقاط النظام او نصره المعارضة ولكن للحيلولة دون قيام كيان كردي على حدودها . فكانت عمليه درع الفرات التي شاركت بها وحدات من القوات المسلحة التركية بالإضافة الى تنظيمات معارضه من تركمان سورية وبعض وحدات الجيش الحر التي كانت تعسكر في تركيا بهدفين معلنين الاول محاربه داعش والثاني محاربه قوات سورية الديمقراطية. وقد دعمت الولايات المتحدة الأمريكية الهدف الاول حيث دخلت القوات التركية مدينه جرابلس ثم الباب بعد انسحاب اعضاء تنظيم داعش منهما. وعندما تحركت لمدينه منبج الواقعة تحت سيطرة قوات سورية الديمقراطية منعتها القوات الأمريكية من تحقيق ذلك ومن المشاركة في معركة الرقة. ولكن ورغم هذا فقد انتشرت القوات التركية وحلفائها في منطقه واسعه من شمال سورية بلغت مساحتها الفي كيلومتر مربع لا يعرف مصيرها هل ستلحق بالدولة التركية مثلها مثل لواء الاسكندرون، ام ستقام عليها امارة تركمانية بإشراف تركي.
كما ساهمت تركيا مع ايران وروسيا في مباحثات السلام التي كانت تعقد للجانب العسكري في استانا والسياسي في جنيف . وهذه الاجتماعات وبالرغم من انها لم تحقق انجازاً لا فتاً الا انها زرعت بذره ان لا حل الا من خلال المفاوضات وان لا مفاوضات دون النظام ودوره المستقبلي في سورية .
ولأستكمال محاوله فهم ما يجري حالياً في سورية فلا بد من التحدث عن دور الولايات المتحدة الامريكيه والتي كانت تترأس الحرب على الارهاب في سورية، ولكن حربها على الارهاب كان مقتصراً على تنظيم داعش، وكانت هذه الحرب مقتصره على استخدام سلاح الطيران والّذي كان يقصف مواقع داعش واحياناً يسقط عليها المساعدات عن طريق الخطأ الغير مقصود او المقصود والله اعلم . ولكن جميع هذه الضربات لم تكن في وارد اضعاف داعش ناهيك عن القضاء عليها ولكن ربما لأحتوئها ومنع انتشارها اكثر من الحد المسموح به، ولكن وفي السنة الاخيرة وفي خط موازي للتنسيق الثلاثي الجديد ما بين تركيا وروسيا وايران في الملف السوري، فقد أخذت تظهر بوادر تغيير طريقة تعامل امريكا مع تنظيم داعش في العراق وسوريا، وهي اذ دعمت الجيش العراقي الطائفي ومليشيات الحشد الشعبي الشيعي في معركه تحرير الموصل من داعش ، فقد دعمت قوات سوريه الديمقراطيه لمهاجمه معاقل داعش في الرقه ولم تسمح للقوات التركيه او التنظيمات التابعه لها المشاركه في هذه المعركه . وها هي تكاد ان تسيطر على كامل مدينه الرقه ليختفي اعضاء تنظيم داعش منها كما اختفوا من الموصل ومن كل المدن والبلدات في العراق وسوريه التي كانت تحت سيطرتهم، وعندما أتجهت انظار قوات سورية الديمقراطية الى منطقه دير الزور والباديه الشرقيه لتشارك في تحريرها من داعش تم منعها من قبل امريكا من القيام بذلك وربما لأسترضاء تركيا وقالت ان القوات التي سوف تحرر تلك المناطق ستتكون من تحالف قوات العشائر والجيش الحر.
ولكن على ارض الواقع فأن من قام بذلك هي قوات النظام السوري بدعم من القوات الروسية حيث اجتاحت تدمر وريفها ومنطقه دير الزور والحسكه حيث سيطرت على مناطق شاسعة منها ووصلت الى الحدود العراقية حيث تم الوصل مابين قوات النظام السوري ومليشياته والقوات العراقيه ومليشياتها . وكل ذلك تحت سمع وبصر القوات الامريكيه التي اتخذت لها عده قواعد عسكريه في منطقه مثلث الحدود السوريه العراقيه الاردنيه وخاصه في منطقه التنف .
ولم يقتصر الامر على ذلك فقد توصلت مباحثات استانا على تحديد اماكن معينه لتخفيف التصعيد ما بين قوات النظام والمعارضه أحدها في محيط طرابلس وآخر في الغوضه الشرقيه وثالت في مناطق شرقي سوريه والتي تشمل درعا امتداداً الى السويداء وعلى طول الحدود الاردنيه وصولا الى الحدود العراقيه والتي اعتبرت كل من روسيا وتركيا ضامنين لها وكما يجري الحديث عن شمول منطقه ادلب بهذا التخفيف . الا اننا نجد ان هذا التخفيف للتصعيد غير مطبق في كل من منطقه طرابلس والغوضه الشرقيه حيث لا زالت قوات النظام تمارس عملياتها العسكريه فيهما دون اعتراض لا من الدول الضامنه ولا من غيرها . اما في مناطق جنوبي سوريه وفي محاذاه الحدود الاردنيه فأن الاعتراض الامريكي كان على تواجد وتحرك المليشيات الشيعيه في تلك المنطقه ، اما فيما يتعلق بالقوات السوريه النظاميه فلم يعترض احد على تحركها في هذه المنطقه الى ان تواردت الانباء مؤخراً عن سيطره هذه القوات على القسم الاكبر من هذه المنطقه وان قوات احرار العشائر التي كانت تحمي وتسيطر على مناطق حدوديه واسعه ومن ضمنها مخيم الركبان والحدلات وريف السويداء الشرقي والتي تحصل على دعم ومسانده وتدريب من القوات الامركيه في قاعده التنف والتي عقدت خلال الايام الماضيه اجتماعات في عمان وتم احاطتها بالكتمان قد انسحبت من اماكن سيطرتها لصالح الجيش السوري النظامي وبررت ذلك امام حلفائها وهي جيش الاسود وقوات الشهيد احمد الفقيه ولواء شهداء القريتين وجيش مغاوير الثوره بأن انسحابها كان لنقص في الاسلحه والمعدات وعدم وقوف التنظيمات الاخرى الى جوارها في معاركها مع قوات النظام .
وقبل ان نختم المقال لا بد من التعرض لنقطتين نحتاج الى فهمهما . الاول ما يتعلق ببلده عرسال وجرود عرسال داخل الاراضي اللبنانيه . وكانت تلك المناطق قد شهدت منذ بدايه الاحداث في سوريه حركه نزوح سوريه كبيره اليها تجاوز عددها المائه والخمسين الف سوري . ومع الوقت حصلت اشتباكات بين الجيش السوري ومسلحين من تنظيم داعش والنصره بالقرب من هذه المناطق ثم ما لبث التنظيمان ان استوليا على تلك المناطق وحصلت بينهما وبين الجيش اللبناني وعناصر من حزب الله معارك متعدده سقط فيها العديد من القتلى والجرحى من الطرفين . كما قام اعضاء التنظيمان بأسر عدد من افراد الجيش والحزب واعدام بعضهم والتهديد بأعدام أخرين . وخلال الايام الماضيه اعلن حزب الله عن عزمه على تخليص بلده عرسال من قبضه تنظيم النصره ، كما اعلن الجيش اللبناني عزمه على تحرير جرود عرسال من تنظيم داعش .
وقد دارت مناوشات بين حزب الله والنصره انتهت بوساطه قطريه تتضمن اطلاق سراح المعتقلين من الجانبين وتبادل جثامين القتلى وانسحاب مقاتلي النصره الى منطقه ادلب مع من يرغب بالمغادره من المدنيين معهم . علماً ان هذه ليست المره الاولى التي تتوسط بها دوله قطر مابين تنظيم النصره والجهات اللبنانيه الرسميه حيث سبق وان اسفرت وساطتها عن افراج النصره عن حوالي خمسه وعشرين جندي لبناني . وبذلك مفارقه بين دوله تدعي انها تحارب الارهاب ووجود صلات لها بتنظيمات ارهابيه وقدرتها على التأثير عليها . كما ان الطرف الآخر الذي اجرت معه قطر اتصالاتها هو حزب الله المصنف عالمياً كتنظيم ارهابي ، ولعل قطر قصدت بذلك توجيه رسائل ذات معنى لكل من الدول المقاطعه لها ولأيران .
اما المسأله الاخيرة التي سوف اتحدث عنها فهي منطقه ادلب حيث اصبحت منطقة تجمع للمعارضة السورية وعلى الاخص منها تنظيم النصرة حيث كان يتم نقل المقاتلين لهذه التنظيمات وعائلاتهم اليها ، فهل وراء ذلك تفكير بأنشاء كيان سني تسيطر عليه النصره ( هيئه تحرير الشام ) على منطقه ادلب في موازاه للكيان الكردي وللكيان التركماني التركي ؟ . ام انها محاوله لتجميع هذه القوى داخل ادلب تمهيداً للقضاء عليها وخاصه ان هذه التنظيمات لا تنفك عن الاقتتال فيما بينها حيث قامت النصره قبل ايام بطرد حليفتها حركه احرار الشام المدعومه تركياً وقطرياً من ادلب رغم عضويتها في هيئه تحرير الشام وبسطت سيطرتها على عموم محافظه ادلب وحتى معبر باب الهوى على الحدود السوريه التركيه والتي لم تعلن الحرب على النصره كتنظيم ارهابي وانما اصدرت بياناً عن نيتها تشديد اجراءات الرقابه على الحدود بينها وبين محافظه ادلب والبالغه ٢٥٠ كيلومتر .
وأخيرا فقد جاء في اخبار اليوم ان قوات النظام اصبحت تسيطر على ثمانين بالمائه من الاراضي السوريه فيما العشرين بالمائه الاخرى تتوزع السيطره عليها التنظيمات المسلحه الارهابيه وغيرالارهابيه بالاضافه للأكراد والمنطقه التي تسيطر عليها تركيا . فهل تشهد الاشهر القادمه مزيداً من سيطره النظام على الاراضي السوريه وهل سوف تشهد افول التنظيمات المعارضه المسلحه وغير المسلحه وخاصه بعد توقف امريكا عن دعمها وتزويدها بالسلاح والطلب منها اعاده انواع معينه من الاسلحه كانت قد سلمتها لها ؟ . وهل سيختفي منظري الفضائيات وابطالها عن الاطلال علينا بمعاركهم الكلاميه الدونكيشوتيه .؟
واذا حصل ذلك هل كان سقوط حوالي نصف مليون قتيل سوري غير الجرحى وملايين المهاجرين ومئات الوف المباني المهدمه بالاضافه الى المدارس والمستشفيات والجامعات والمكتبات والمسارح والآثار وطرق المواصلات وغيرها وغيرها ليعود بشار الاسد ليجلس على كرسي في مقهى دمشقي مع زوجته يدخنون النرجيله كما كانوا يفعلون قبل ثماني سنوات .
افيدوني يا اهل العلم والمعرفه وشرحوا لي ماذا حصل في سوريه ولماذا حصل ما حصل .
ملاحظه تمت كتابه هذه المقالة قبل ان يتم نشر معلومات عن وجود مخططات لحل المشكلة السورية تتضمن اعاده الحياة للنظام ودفن المعارضة وتنظيماتها على اساس ان اكرام الميت دفنه، وقد ماتت المعرضه قبل سنه من الآن.