سألت رئيس الوزراء ، هاتفيا ، قبل يومين ، عن التعديل الوزاري ، وعن وضع حكومته ، فرفض الاجابة عن السؤال ، تماما ، واذا كنت اتوقع ان لا يجيب عن السؤال ، بعد تأخر التعديل ، وتأجيله لعدة مرات ، فأنني في الوقت ذاته بقيت مشوشا.
تأجيل التعديل ، له اعتبارات كثيرة ، فالملك بطبيعة الحال هو صاحب القرار اولا واخيرا ، وهو الذي يقرر ان كان هناك تعديل او تغيير ، على حكومة الذهبي ، غير ان المثير ان نقرأ ، في تقارير اعلامية لزملاء ، ما معناه ان الملك رد ثلاث قوائم للتعديل ، كونها قوائم ، ثأرية ، من وزراء محسوبين على الخط الليبرالي ، وكدت اسأل زميلنا بهل اخبره "سيدنا" شخصيا ، ان القوائم ثأرية ، ومن جهة اخرى ، هناك اجماع وطني على نقد اداء لعدد من الوزراء ، بعيدا عن هذه التصنيفات ، فهناك على ارض الواقع وزراء غائبون عن المشهد ، وتأثيرهم ضعيف جدا ، ولن يتغير تأثيرهم ، بتغير بعض اطراف معادلات القرار في الاردن ، واذا كان بعضهم يتغطى بحجج وذرائع لتبرير عدم قدرته ، فلنرَ اذا ما الذي قدموه وسيقدمونه خلال الفترة المقبلة ، غير البكاء على اطلال التيار الليبرالي.
الليبراليون ، في الاردن ، ليسوا تيارا ، هم مجموعة من المؤثرين وبطاناتهم ، يسعون الى تفكيك الدولة من الداخل ، وفتح الابواب والشبابيك لكل رياح التغيير السوداء ، ولا شعبية لهم بين الناس ، ولا يكفي لان تخدم الاردن ، ان تحمل جهاز اللاب توب ، وتغرق شعرك في "الجل" المستورد ، وتلبس النظارات السوداء ، وتثرثر بالانجليزية ، وتتعامل مع الحقائق الاجتماعية في الاردن ، باعتبارها "ايميل" يمكن التعامل معه بكلمة enter او ولو تركنا كل الفرصة للتيار الليبرالي ، لتم بيع البلد ، في سبع صفقات ، ولجلسنا على قارعة الطريق ، ولتم فتح البلد ، لكل من هب ودب ، ولتم توزيع الجواز الاردني ، على طريقة take away المستخدمة في الطلبيات السريعة للمطاعم الامريكية ، والتيار الليبرالي يمثل خطرا سياسيا ماحقا باتجاه هذا البلد ، لانه يتبنى نظريات الحقوق المنقوصة والمحاصصة ، التي دمرت بلدان الجوار ، وهي نظريات لا يصفق لها سوى الجهلة ، ممن يتأثرون بالشعارات السطحية ، ونحن في توقيت خطير جدا ، التعامل معه لا يكون بانعاش التيار الليبرالي المكروه شعبيا ، والمشكوك فيه ، وفي نظرياته وما الذي يريد تنفيذه ، في توقيتات اقليمية ، تجعل سيناريوهات الوطن البديل ، وتحويل الاردن الى "غرفة للايجار" وتصفية القضية الفلسطينية ، تطل برأسها.
عدل المهندس نادر الذهبي على حكومته ، او غادر موقعه ، ففي الحالتين هذا قرار الملك ، الذي نحترمه ونؤمن بالذي يريده ، غير ان الاهم هو ان يعرف البعض ان مشكلة التيار الليبرالي ، لا تتعلق بمرحلة ، فقد احترق رصيده كتيار ، ولا يمكن ابرازه الى السطح مجددا ، ولا.. اكتساب اي مشروعية او قوة لمرحلة ما ، من وراء هكذا اعادة انتاج محتملة يروج لها البعض ، فمن مصلحتنا جميعا ، ان تبقى حالة التماسك في الداخل الاردني ، وان لا نعود الى التراشق ، ولا الى التوترات والمخاوف ، ومن يريد اعادة انتاج مراحل سابقة ، يريد ان يخدم مصالحه فقط ، ولا يتطلع الى مصلحة الاردن ، الذي يواجه ظرفا سياسيا واقتصاديا حساسا جدا ، من المستحيل مواجهته بالعودة الى خيارات خلافية على مستوى النخب والمستوى الشعبي ، الذي نريد له ان يبقى على قلب رجل واحد ، لا.. ان تدب وسطه الشكوك والمخاوف من جديد.
لا تدار الدول بعقلية ثأرية ، ولا قوائم ثارية ، ولا كتابات ثأرية ، كما هو مفترض ، ومن يتطلع الى ما يجري حولنا ، يعرف ان التوقيت ليس توقيت للتنابز بالالقاب ، بل هو توقيت وحدة وتماسك ، والبحث عن خيارات شعبية ، لرص الصفوف ، وحين نرى الملك ذاته ، تصدر حملة المؤازرة لغزة ، نعرف ان العرش الهاشمي ، يوحد ولا يفرق ، ونعرف ان العرش الهاشمي ، هو عرشنا جميعا ، ونحن عسكره وحرسه ، نخاف عليه ، وفاء ، وعاطفة ، ومصلحة ايضا ، ونؤمن في الوقت ذاته بأننا نصطف وراء خيارات الملك وقراراته ، وهو ايضا ، يلمس نبض شعبه ، ويعرف الناس عن قرب ، بكل تفاصيل المشهد الداخلي ، وبكل اسراره ، والفرق بين كلام الحق الذي يراد به حق ، وكلام الحق الذي يراد به باطل.
بقي الذهبي ام رحل ، سيان.. فهذا قرار الملك ، الذي اطلق عشرات الاشارات خلال الفترة الماضية ، حول توحيد صفوف الاردنيين.. كل الاردنيين ، في مواجهة مرحلة صعبة وحساسة ، لن يقبل احد خلالها بأي محاولة لشق الصف من جديد ، فالاردن اهم من الاشخاص ، الراضين.. و"الحردانين" على حد سواء.
m.tair@addustour.com.jo