محاوله فهم ما يجري في سورية ١/ ٢
اللواء المتقاعد مروان العمد
14-08-2017 02:27 AM
قبل سنة من الآن كان تنظيم داعش الارهابي يسرح ويمرح ما بين الموصل والرقة امتداداً الى دير الزور وتدمر وصولاً الى الحدود السورية اللبنانية والتركية والاردنية. وكان الكل يدعي انه يحارب داعش وكان الكل يدعم داعش. وقبل سنة من الآن كان تنظيم النصرة ينتشر في كل انحاء سورية من غير ان يكون له دولة ولكنه كان يجاور تنظيمات المعارضة السورية التي يصفونها بأنها معتدلة والذي كان هذا التنظيم يتآلف معها احياناً ويقاتلها احياناً أخرى، والذي وبالرغم من تصنيفه كمنظمه ارهابية دولياً الا انه لم يكن يجري محاربته من اي قوة بشكل فعلي بحجة قرب مواقعه من مواقع المعارضة المعتدلة وتداخلهما. وكان ايضاً يحصل على دعم من قوى دوليه خارجيه متعددة.
ومنذ سنة من الأن كانت المعارضة السورية تسيطر على قسم كبير من الاراضي السورية وكان النظام لا يكاد يسيطر على ربع مساحة سورية.
ومنذ سنة من الآن كان يبدو ان النظام في سورية قد أصبح متهالكاً وعلى وشك السقوط لولا ابر المورفين التي كانت تحقنه بها القوات الروسية والاحزاب والتنظيمات الشيعية الايرانية والعراقية واللبنانية.
وبعد مرور هذه السنة ماذا حصل وكيف اصبح وضع هذه القوى؟
داعش تكاد ان تهزم . النصرة حشرت في ادلب. تنظيمات المعارضة المعتدلة فقدت غالبية الاراضي التي كانت تسيطر عليها. عادت علامات الحياة للنظام السوري ولرئيسه بشار الاسد وأصبح الحديث عن دور له في مستقبل سورية مقبولاً بل أصبح متطلباً ضرورياً.
كيف حصل ذلك ولماذا ؟
للتذكير فأنه قبل سنه من الآن قامت تركيا بتطبيع علاقاتها مع دوله الصهاينة بعد حاله الصراع الاعلامي بينهما لمده ست سنوات ، كما قامت في وقت متزامن بتطبيع علاقاتها مع روسيا بعد ان كادت تصل الى حد الاشتباك المسلح لمدة ثمانية اشهر بعد اسقاطها للطائرة الروسية . كما فتحت تركيا خطاً مباشراً بينها وبين إيران بالرغم من صراعهما المرير على زعامة العالم الاسلامي. وشكل الثلاثي الروسي والايراني والتركي والّذي كان كل منهم على نقيض من الآخر ثلاثياً يسعى لإحلال السلام في سورية ووضعوا انفسهم ضامنين لهذا السلام .
ولقد كان لهذا الانقلاب في الموقف التركي تأثيره على جميع الاحداث في سورية بعد ذلك .
فقد ادرك النظام في تركيا بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة وتخلي الغرب عنه او على الاقل عدم دعمه وقيام الولايات المتحدة الأمريكية بدعم اكراد سوريا وقوات سورية الديمقراطية المشكلة بأغلبيتها منهم ان هناك ما هو اخطر من نظام بشار الاسد عليها وان القضاء على نظامه لم يعد اهم اولوياتها بل اصبح همها ان يكون لها دوراً في ترتيب ما سيحدث في سورية من حيث تحقيق مصالحها والتصدي لأي محاوله لإيجاد كيان كردي في خاصرتها الجنوبية .
ومن المعلوم ان تركيا كانت من اكبر الداعمين والمناصرين لكل تنظيمات المعارضة السورية وطريقاً لإمدادها بالرجال والسلاح والتموين . كما ان الدول الأخرى والتي تدعم بعض تنظيمات المعارضة السورية كانت تقوم بإيصال هذا الدعم عن طريق تركيا كون الاردن كان قد أعلن منذ البداية رفضه لهذا الدور، وكون العراق وما يجري فيه لا يجعل منه طريقاً للمعارضة ولكن طريقاً لدعم النظام.
وحتى يصبح في امكان تركيا ان تغير دورها في سورية فقد كان لا بد من ان تغير علاقاتها وتحالفاتها على الارض فقد اعلنت انضمامها للتحالف الدولي ضد الارهاب في سورية واغلقت حدودها في وجه المساعدات التي كانت تنهمر على تنظيمات المعارضة من اراضيها الا بمقدار ما يخدم مصالحها . ولهذا فقد اصبحت تحدث تغيرات على الارض فقد سقطت حلب الشرقية بيد النظام بعد سنين من سيطرة المعارضة عليها بعد اتفاق برعاية الدول الثلاث الضامنة بتأمين خروج آمن لقوات المعارضة وعائلاتهم وكان خيار هذه القوات في اغلبه الذهاب الى ادلب ومن بينهم عدد كبير من تنظيم النصرة. ثم توالت حالات وقف إطلاق النار بمناطق مختلفة من سورية وانسحاب قوات المعارضة الى ادلب وهذا ما حصل في مناطق من ريف حلب وحي الوعر في حمص ومحيط حمص ومن حي القلمون ومن بيت سحم ومن معبر نصيب. ثم في ضواحي دمشق وغوطتها الغربية وامتدادا الى الزبداني وغيرها الكثير من المناطق والتي انسحب منها مقاتلو المعارضة والذين اغلبهم من جبهة النصرة الى ادلب ووقعت هذه المناطق تحت سيطرة النظام.
ومن المتغيرات في الموقف التركي في السنه الأخيرة بالشأن السوري هو تدخلها العسكري المباشر فيها ليس بهدف اسقاط النظام او نصره المعارضة ولكن للحيلولة دون قيام كيان كردي على حدودها . فكانت عمليه درع الفرات التي شاركت بها وحدات من القوات المسلحة التركية بالإضافة الى تنظيمات معارضه من تركمان سورية وبعض وحدات الجيش الحر التي كانت تعسكر في تركيا بهدفين معلنين الاول محاربه داعش والثاني محاربه قوات سورية الديمقراطية. وقد دعمت الولايات المتحدة الأمريكية الهدف الاول حيث دخلت القوات التركية مدينه جرابلس ثم الباب بعد انسحاب اعضاء تنظيم داعش منهما. وعندما تحركت لمدينه منبج الواقعة تحت سيطرة قوات سورية الديمقراطية منعتها القوات الأمريكية من تحقيق ذلك ومن المشاركة في معركة الرقة. ولكن ورغم هذا فقد انتشرت القوات التركية وحلفائها في منطقه واسعه من شمال سورية بلغت مساحتها الفي كيلومتر مربع لا يعرف مصيرها هل ستلحق بالدولة التركية مثلها مثل لواء الاسكندرون، ام ستقام عليها امارة تركمانية بإشراف تركي.
كما ساهمت تركيا مع ايران وروسيا في مباحثات السلام التي كانت تعقد للجانب العسكري في استانا والسياسي في جنيف . وهذه الاجتماعات وبالرغم من انها لم تحقق انجازاً لا فتاً الا انها زرعت بذره ان لا حل الا من خلال المفاوضات وان لا مفاوضات دون النظام ودوره المستقبلي في سورية .
غداً ٢ / ٢