البشير يكتب: كلام مش "طشي" .. خذوا المناصب والمكاسب واتركوا لنا "النقل العام"
المهندس عامر البشير
14-08-2017 02:14 AM
أتعايشُ مع غيري من المواطنين الغيارى مع الحالةِ الذهنيةِ والعصبية التي تجتاحُ الجميع هذه الأيام، حيث نتأرّق ليلاً ونحن نفكّر بالهمِّ العام، ونتوتّر نهاراً ونحن نرصدُ التطبيقَ العشوائيّ و"الترقيع" لكلّ ما يتعلق بواقعِ النقل العام، ومستقبل الازدحامات المرورية في وطننا الغالي.
وجدت نفسي وبصراحة مضطراً لمثل هذه التوطئة، وأنا أفكرُ بالمبادئ الأولية والأساسية التي تعلمناها وتذاكرنا بها، عندما يتعلقُ الأمر بنهضة أيّ مجتمع.
لا شكوك بأنّ النهضةَ، أي نهضة، تبدأ من الإرادة أولاً، وأبجديات التنمية تولدُ عند إتباع الأسس العلمية في التخطيط والتنظيم والتوجيه والرقابة، عبوراً نحو التنسيق المؤسسي، وصولاً للتقييم المرجعي بكلّ مراحله وبصورةٍ متوازنة.
تلك عناصر أساسية من أجلِ ارتقاء المجتمعات والدول، لكن التشخيص يسبقُ كلّ العملية في الواقع، وإذا أردنا التحدث مجدداً بصراحة علينا تلمسُ الواقع بكفاءة، فمعظم مؤشرات أداء الخدمات الحكومية تشيرُ إلى انعدام فعاليتها وفي معظم المفاصل، وتموقع الارتجال والعشوائية في عمقها، حتى أصبحت بعض المواقع القيادية في الوظائف العامة غير مُنتجة، وغير قادرة على مواجهة مُتطلبات المرحلة، ويغيبُ عنها مفهوم "الخدمة العامة الخالصة لوجه الله تعالى"، وكأنّ الوظيفة نفسها هي الهدف وليس مضمونها، الأمرُ الذي ساهمَ في بروز أصوات تكرّس الإعلاءَ من شأن الولاء لأشخاص أو لمراكز قوى على حساب الكفاءة والمهنية، كما ساهمَ في تغذية النزعات الشخصية، وفي بعض الأحيان "الشلليّـة"، باتجاه معاكس لكلّ مظاهر "المؤسسية" وهيبة الأداء، وبالتالي عبث التقييم بل غيابه في الكثير من الأحيان، وتفاعل المفاهيم الخاطئة التي تطيح أو تجهض أيّ تفكيرٍ منتج، أو مشروع منهجي أو مهني، والاسترخاء وسط "أزمة الأدوات".
التخطيط الاقتصادي يقودُ إلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي، وبناءً عليه لا أجد في المنظور القريب أو حتى المتوسط، علاجاً لمشكلتي الفقر والبطالة، كما لا أجد أيّ فرق في النتائج عند تطبيق مصطلح التشغيل أو التوظيف التي أطلقته الحكومة الحالية، كما لا أجد مخرجاً يحقّق التوازنَ فيما تتآكل رواتب الموظفين، إلاّ مخرجاً واحداً ألا وهو: تحسين الخدمات الحكومية الأساسية، من صحةٍ وتعليمٍ ونقل عام.
ذلك السبيل الوحيد حالياً الذي يعوّض ما يُنفق لتعويض النقص في هذه الخدمات أو في مستواها، وللحفاظ على مجتمعٍ مُتصالحٍ اجتماعياً واقتصاديا، ومتعايش سياسياً يحققّ أهدافَ الدولة التنموية، ويحقّق أسبابَ القوة والمنعة للوطن، والكرامة وتحقيق مُتطلبات السِلْم المجتمعي للمواطنين.
حتى نذهبَ لبعض التفاصيل التي تهمّنا لابدّ من إظهار استغرابنا لتعطيلِ بعض التشريعات في ظلِّ أحكام الدستور، حيث أوقفت السلطة التنفيذية العملَ باقتطاع قرشين من الضريبة المفروضة على البنزين والديزل، من المُنتج محلياً أو المُستورد من قبل مصفاة البترول الأردنية المخصّص لصندوق دعم خطوط النقل العام، كما وجّهت الحكومةُ ديوانَ التشريع من خلال مذكرةٍ لإلغاء صندوق دعمِ خطوط النقل، بحجّة غياب خطة للنقل العام.
هذا سلوكٌ يدفعني شخصيا للتساؤل: ليست هي الحكومة ذاتها المكلّفة بأكثرِ من خطابٍ للتكليف السامي بإعداد الخطط لإصلاح قطاع النقل؟، أو لا يكفي ما تمّ إنجازهُ على سبيل الدراسات حتى تاريخه، والتي أفضت إحداها من مستشار ألماني إلى حاجةِ المملكة لدعمِ خطوط النقل العام في عمّان والمحافظات بسقفٍ يتراوح ما بين 48-50 مليون دينار؟، وهو السقف المطلوب الذي يحقّقُ ارتقاءً بمعايير الخدمة بالنسبة للترددات، يؤدي إلى الالتزام بمواقيت الانطلاق والوصول، ويربطها ببرنامجٍ زمني غير مرتبط بامتلاء كامل مقاعد الحافلات، وبما يوفّر مصداقيةً بإلزام مشغّلي النقل بالتزامات الطلاب والموظفين بأوقات محاضراتهم وأعمالهم، إضافةً لأهمية توفير مُتطلبات السلامة العامة وأسباب الراحة في حافلات خطوط النقل العام، علماً بأنّ الصندوق سيوفّر مبلغ 70 مليون دينار من عائدات اقتطاع القرشين من الضريبة المفروضة على المحروقات.
كما أسأل: هل باعتقادكم أنّ مبلغ 20 مليون دينار سنوياً المتبقّي بعد اقتطاع الدعم يكفي لاستكمال مُتطلبات بُنيةٍ تحتيةٍ لخطوط النقل العام في المملكة؟، والذي أعتبرهُ إلى جانب خطوط دعم النقل أهمّ وظيفةٍ لصندوق دعم نقل الركاب، والمسؤول عن استكمال دمج خطوط نقل ومحطات، وتحديث مراكز الانطلاق والوصول، وتوفير محطات التحميل والتنزيل على طول المسارات، واستئناف مشروع تجديد أسطول حافلات النقل العام، وتوفير مُتطلبات الراحة والسلامة ومعايير الخدمة، حسب أفضل المُمارسات العالمية، ورفد المنظومة بأدواتٍ الكترونية لأنظمة تشغيل وتطبيقات ذكية.
ما يثيرُ استغرابي ويدفعني للخلاصة، هو سعيُ البعض من المسئولين حالياً لتسييس أيّ حوارٍ منهجي، وشخصنة الخلاف بالرأي، بعيداً عن المهنيّة... مثل أحد المسؤولين الذي قد لا يكونُ قد قرأ ما قدّمت أو كتبت، من أفكارٍ وحلولٍ ومن تقييمٍ للوضع الحاليّ في مشكلتي النقل العام والازدحام المروري، أو حتى لا يعرف عمّا أتحدّث.
صاحبنا لم يحاورني ولم يسألني حتى عندما قال عمّا كتبت في موضوع النقل العام " كلام طشي"، ويكفينا فخراً أنا وزملائي أننا حقّقنا اختراقاً إصلاحياً تشريعياً في النقل العام، من خلال لجنة النقل والخدمات العامة في المجلس النيابي السابع عشر، ولا أعرف إذا كان صاحبنا بالمقابل لديه أيّ مشروعٌ من أيّ نوعٍ يرقى بمُستوى الطرح، وكم كنت أتمنى أن يسألني كيف سنوفّرُ الإيرادات اللازمة لاستكمال المشروع المروري وإصلاح منظومة النقل العام، مؤكداً لكم أنه يتوفّر لديّ كلّ الإجابات على استفساراتكم، وهو الذي يتطلّبُ تحسينَ الإيرادات وضبطَ النفقات كما يلي:
تفعيلُ نظام تحصيل الإيرادات من ضريبة أبنية وتحقّقات مختلفة، والعملُ على وضع معايير شفافة ومحددة في عمل لجان التخمين، بما يضمنُ العدالةَ في التقدير والقيمة السوقية للعقار، دون رفع هذه النسب؛ لأنّ المشكلةَ تتلخّص في التخمين وفي التحصيل وليس في غيرها، وتصنيف المبالغ المترتبة على الأهالي والمكلّفين والمقدرة بـ 275 مليون دينار في مدينة عمّان فقط، ومنح تسهيلات لتقسيطها بالتوازي مع إجراءاتٍ في تحصيلها بالنسبة والتناسب مع قيمتها، بالإضافة إلى توسيع ربط قاعدة البيانات مع الدوائر الرسمية الأخرى، وتفعيل تحصيلها من خلال مُذكرات تفاهم معها، كما يجب الوصول إلى خطاب مُقنِع للمكلّفين، بأنّ ضريبة المسقفات والأراضي تعودُ عليهم بصورةٍ مباشرة كخدمات، كلٌّ حسب أولوياته ومنطقته.
إضافةً إلى تحسين مداخيل إيرادات أمانة عمّان والسلطات المحلية، من خلال عوائد كلّ من التنظيم والأبنية، وتعويض اللجان المحلية واللوائية، الذي يتحقّق بفتح مناطق تنظيم جديدة، سمة بعض تصنيفاتها أن المعروض أقل من المطلوب فيها، بالإضافة إلى أهمية التطرّق لأصنافٍ تنظيميةٍ جديدة غير متوفّرة حالياً في التنظيم بالأمانة، نتيجة التغيرات الاقتصادية والاجتماعية والحاجات المتنوعة في المجال السكني والسياحي وتجارة التجزئة، تختلف تماماً عما كان معمولٌ به في النصف الأول من القرن الماضي، كون التشريعات السارية المفعول حالياً تعكسُ حاجات نفس الفترة الزمنية السالفة الذكر (قانون التنظيم لعام 1966)، والذي يجب أن تتناسب أصناف التنظيم مع متطلبات المطوّرين المستثمرين وحاجات السوق العقاري (خمسة آلاف دونم تقريباً في المرحلة الأولى بمدينة عمّان، بمعدّل 150 دينار لكل متر مربّع تعويض وعوائد تنظيم يخصّص بالكامل للمشروع المروري).
بالتوازي نتحدّثُ عن منح حقوق تطوير لطابقٍ إضافيّ على الأبنية السكنية في مدينة عمّان ضمن فئات التنظيم (سكن أ، ب،ج) ضمن مناطق جديدة محددة لا تتعارضُ مع مُخرجات المخطّط الشمولي؛ بهدف زيادة الكثافة وزيادة مداخيل الأمانة المالية، حيث تخصّص عوائد الطابق الخامس لرفد صندوق دعم الركاب لإنجاز مشروع النقل الحضري لمدينة عمّان، ومعالجة الاختناقات المرورية، من خلالِ استكمال منظومة الطرق الدائرية والجسور والأنفاق، وأوجّه سؤالاً للمُخطّطين الذين يقفون ضدَّ هذا التوجّه، هل ترغبون في مدينةٍ عدد سكانها 4 ملايين نسمة بدون منظومة نقلٍ وبدون مُعالجات للازدحامات المرورية، أو ترغبون بمدينةٍ عدد سكانها 6 ملايين نسمة مع منظومة نقلٍ حديثةٍ وعصرية وبدون ازدحامات؟.
وفتحُ باب استثمار قطع أراضي تملكها أمانة عمّان؛ لتوفير مُنتجٍ سياحيٍّ وثقافيٍّ وحضريٍّ نوعي، واستثمار مواقف سيارات ضمن سعةِ الشوارع على غرارِ ما يجري في دبي، بالإضافة إلى مجمّعات مواقف السيارات الذي يُكمّل منظومة النقل العام، وتحقيق أفضل استثمار لمسلخ أمانة عمّان، واستثمار حقوق الدعاية والإعلان دون تغوّل بصناعة الإعلان على المحتوى الحضري للمدينة، والتوسع في أسواق بيع الخضار والفواكه واللحوم الطازجة والمجمدة بالشراكة مع القطاع الخاص.
كما نتحدثُ عن إدارةٍ حصيفةٍ للنفايات، وتحويلها إلى مراكز ربح بدلاً من مراكز كلفة (ما يفوق 75 مليون دينار سنوياً)، استنادا لتوعية الأهالي والعاملين في المُنشآت لإخراج النفايات في ساعةٍ محددة، ضمن برامج توعوية مُوجّهة، والذي يوفّر في كُلف البُنى التحتية والتشغيلية المتزايدة في قطاع البيئة، وعلاج ظاهرة النبّاشين من خلال إشراكهم في برامج شراكة مع المجتمع المحلي، الذي يصبّ في تحقيق النظافة العامة لمدينة عمّان، والاستفادة المُثلى للإمكانات المُتاحة، وتوفير عناصر وأدوات للفرز في أماكن تجمّع النفايات، بعد جمعها واستخراج الطاقة الحيوية بعد طمرها، وهذا يصبّ في باب ضبط النفقات وتحويل مراكز الكلف إلى مراكز ربحية.
الضرورةُ تتطلبُ بالتوازي ضبطَ النفقات الجارية ووقفَ التعيينات في أمانة عمّان وبلديات المملكة، إلاّ في الوظائف الفنيّة والمتخصّصة، مثل تخصصات النقل والمرور، وضبط مصروفات الوقود والديزل والكهرباء (عشرات الملايين)، والبحث عن مصادر طاقةٍ بديلةٍ لإنارةِ الشوارع ومرافقِ أمانة عمّان وباقي بلديات المملكة.
وأخيراً أقول لصاحبنا صاحب نظرية "كلام طشي"، لن يُثنيني أي نقدٍ غير منهجي، ولا يستندُ إلى أي قاعدةٍ علمية، من مسؤولٍ مُنسلخٍ عن الواقع، كما أنّ فاقدَ الشيء لا يمكن أن يعطيه، وباعتقادي أنه يستحيلُ أن يكون هذا المسؤول مُنصفاً، ولا يقلّل من مشروعي الإصلاحي إذا لم يجد مضموناً فيما أكتب، وأقول له ولأمثاله: خذوا المناصب والمكاسب ولا تأبهوا بما نطرح، فقط وفّروا لنا منظومةَ نقلٍ عام تليقُ بوطننا ومواطننا. مؤكداً وجود فرق بين مسيرة الخدمة العامة التي أنتهجُها وبين الوظيفة العامة التي تشغلها.
*المهندس البشير: نائب أمين عمّان سابقاً، وعضو مجلس النواب السابق، ورئيس لجنة الخدمات العامة والنقل النيابية في مجلس النواب السابع عشر.