آخر الفارّين من صفحات الحرب التي لا تنتهي ،ومن طاولات المفاوضات المقلوبة ،والمناطق المحتلة والمحررة، والرايات الملوّنة ،ومزاج القوى العظمى التي تتسلّى في موتنا حسب أوقات فراغها ،فقد تم إجلاء ثلاثة عشر حيواناً إلى مدينة جرش بعد أن حوصروا في ظروف قاسية في حلب حيث تقطّعت بهم السبل وهرب متعهّد الحديقة وتركهم للجوع والقذائف..
خمسة أسود ،نمران، اثنان من الدببة ،زوج من الضباع، وكلبان نادران أطلقوا جميعاً في محمية المأوى بمحافظة جرش ليمضوا ما تبقى من أعمارهم هنا بسلام بعد أن شاهدوا من فوضى وقسوة ما لم يشاهدوه في مواطنهم الأصلية من أدغال وحياة برية وقانون الغاب..وللأمانة خجلت في بداية المقال أن أسمي هذه الحيوانات الأسيرة بأنها حيوانات مفترسة..فافتراسها الفطري ترف ومبالغة في ظل افتراسنا نحن ووحشيتنا وقسوتنا نحن..هي تفترس لتعيش ونحن نفترس لنحكم ، هي تفترس طرائدها من غير فصيلتها ، نحن لا نفترس الا أبناء فصيلتنا وأطفال قبيلتنا ونساء طائفتنا وشركاء لغتنا وهويتنا..هي لا تتآمر على أفراد قطيعها ، إما أن تهرب جميعاً أو تموت جميعاً..ونحن لا نتآمر الا على أبناء أمتنا ، «أبقى وحيداً»، او يموتون جميعاً..
بالمناسبة، الغاية من حدائق الحيوان في العالم..ترفيه الناس وإمتاعهم وتعريفهم على حياة شركائهم الآخرين في الأرض، بمعنى آخر أن الغاية من حديقة الحيوان بشكل عام «ليتفرّج الناس على الحيوان».. في بلادنا العربية «يتفرّج الحيوان على الناس» وعلى صنائعهم وعلى بشاعة شركائهم في الأرض..
بقي أن أقول..أن اثنين من الحيوانات الهاربة من قصف حلب الى محمية جرش مصابة بالعمى الكامل حسب أحد الأطباء البيطريين..حتماً هي لم تصب بالعمى جراء مرض أو كهولة.. هي فقط لم تحتمل ما رأته من بشاعة..وبرغم سجّلها الدموي الحافل الا أنها لم تحتمل هذا الكم الكبير من اللون الأحمر..لذا فقد اختارت «العمى» لتكمل حياتها دون منغّصات!..
لسنا بحاجة الى محميّات وحدائق برية ، بعض الأوطان محميّة كبيرة، قطعان تأكل قطعاناً ، وما على المهتّم سوى أن يقطع «بطاقة لجوء» او «كرت مؤن» ويتفرّج علينا عن قرب.الرأي