لا اكراه في نظام الحكم والسياسة
د. عاكف الزعبي
13-08-2017 04:26 PM
الله تعالى يحظر علينا الاكراه في الدين: (لا اكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي...) البقرة 256) ... فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما انا عليكم بوكيل (يونس 108.) وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر (الكهف 29) ولو شاء ربك لآمن من في الارض كلهم جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين " يونس 99) ولو شاء لجعلكم امة واحدة ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء .... (النحل 93.... وليس بعد امره تعالى أمر.
إذا كان لا يحق الاكراه في الدين فكيف يحق بعد ذلك اكراه الناس على نظام حكم بعينه او اسباغ الشرعية على نظام لا يرتضونه. لقد كفانا تعالى بقوله الكريم (وامرهم شورى بينهم) و(شاورهم في الامر). والشورى هي اليوم بالأخذ برأي المواطنين من خلال انتخاب ممثلين لهم ينوبون عنهم بنقل رأيهم بعد ان كثر عدد الناس ولم يعد ممكناً ولا عادلاً ان ينوب عنهم عدد محدود من اهل الحل والعقد حتى لو تعددت اختصاصاتهم بين الشريعة والاقتصاد والاجتماع والسياسة والعلم والادب والفن.
الدولة المدنية اليوم هي خيار المجتمع لإبرام عقده الاجتماعي فيقيم عليه شرعية نظام الحكم ويضمن فيه القواعد الناظمة لإدارة المجتمع، وهياكل الإدارة، وحقوق المواطنين وواجباتهم. ليس لأحد او لفئة او لحزب في الدولة المدنية ان يفرض على غيره نظاماً للحكم او مبدأ او فكراً سياسياً. ولا يحق لأي كان أن يكفر احداً بسبب رأيه في الحكم او في النهج السياسي، ولا ان يكفر المجتمع ودولته المدنية التي لا تقر الاحزاب الدينية ولا تعترف بسلطة دينيه توازي السلطة الزمنية (الحكومة) او تتدخل في شؤونها أو تهيمن عليها. وتكتفي الدولة بمؤسسات دينيه تعمل على خدمة المجتمع وطرح رأيها بالأخذ بالأحكام الشرعية بموجب الأنظمة التي تحكم عملها (دائرة قاضي القضاة، ودائرة الافتاء، والقضاء الشرعي، وادارة المساجد/ وزارة الاوقاف وغيرها) .
يخلط تيار الاسلام السياسي بين الحكم وبين امكانية الاخذ بأحكام الشريعة في القوانين في الدولة المدنية العربية ذات الغالبية المسلمة. فالأخذ بالمناسب من احكام الشريعة سعي مشروع لإشاعة ما ينطوي عليه الاسلام السمح من قيم انسانية كبرى في الحرية والعدل والعمل والاخوة الإنسانية، والدعوة للإيمان والحض على العبادات، والتمسك بفضائل الاخلاق وعمل الخير. ومشروع في النظام المدني الديمقراطي ايضاً لأي حزب كان – دون ان يحمل مسمى دينياً – ان يطالب بإدخال احكام الشريعة الإسلامية في اي قانون تسنه الدولة في إطار من الحوار والقبول بالرأي الاخر ولكن دون تعصب وبعيداً عن اعتبارات القداسة المطلقة واتهام الرأي الاخر بالخروج عن الدين. وما أكثر ما تتضمن تشريعاتنا النافذة من احكام الشريعة وذلك دون دفع او تبن من حزب او مؤسسة او فئة بعينها وانما لشعور غالب في المجتمع بفائدتها في تنظيم حياته وخدمتها لحاجاته .
تسييس الدين والتطرف فيه يورث المجتمعات انقساماً خطيراً أين منه الانقسام السياسي والفكري غير العقيدي. وقد كان له فيما مضى من التاريخ امثلة لم تغادر المجتمعات الا وهي مهمشة تقطر دماً، ونأت بها اي نأي عن الانفتاح على الثقافات الاخرى والإفادة من التجارب الإنسانية ومنجزاتها، واغرقتها في اجتهادات عقدية سفسطائية لتشغلها عن التفرغ لبناء حاضرها ومستقبلها والاخذ بأسباب العلم، وباركت عليها انغلاقها على جمودها وخلافاتها حتى باتت لا تكتفي فقط بالإعراض عن التجارب الملهمة للمجتمعات المتقدمة بل راحت تصبغ عليها الحاداً وكفراً واباحية مفضلة عليها ما هي فيه من تخلف ثقافي وسياسي وعلمي.